فلا موجود ولا موجد إلا الله ، وأما الكتاب ف (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) وليس الوجه إلا الوجود ، وهو ظهور الذوات والأعيان ، وأما السّنة (فلا حول ولا قوة إلا بالله) وأما اعتبار من تجب عليه الزكاة ، فالمسلم هو المنقاد إلى ما يراد منه ، وقد ذكرنا أن كل ما سوى الله قد انقاد في ردّ وجوده إلى الله ، وأنه ما استفاد الوجود إلا من الله ، ولا بقاء له في الوجود إلا بالله ، وأما الحرية فمثل ذلك فإنه من كان بهذه المثابة فهو حرّ ، أي لا ملك عليه في وجوده لأحد من خلق الله جل جلاله ، وأما البلوغ فاعتباره إدراكه للتمييز بين ما يستحقه ربّه عزوجل وما لا يستحقه ، وإذا عرف مثل هذا فقد بلغ الحدّ الذي يجب عليه فيه ردّ الأمور كلها إلى الله تعالى ، وأما العقل فهو أن يعقل عن الله ما يريد الله منه في خطابه إياه في نفسه بما يلهمه ، أو على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم ، ومن قيد وجوده بوجود خالقه فقد عقل نفسه.
وأما اعتبار ما تجب فيه الزكاة ، فالزكاة تجب من الإنسان في ثمانية أعضاء : البصر والسمع واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب ، ففي كل عضو وعلى كل عضو من هذه الأعضاء صدقة واجبة ، يطلب الله بها العبد في الدار الآخرة ، وأما صدقة التطوع فعلى كل عرق في الإنسان صدقة ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : [يصبح على كل سلامي من الإنسان صدقة] فالزكاة التي في هذه الأعضاء هي حق الله تعالى الذي أوجبها على الإنسان في هذه الأعضاء الثمانية ، فتعين على المؤمن أداء حق الله تعالى في كل عضو ، فزكاة البصر ما يجب لله تعالى فيه من الحق ، كالغض عن المحرمات ، والنظر فيما يؤدي النظر إليه من القربة عند الله ، كالنظر في المصحف وفي وجه العالم وفي وجه من يسرّ بنظرك إليه من أهل وولد وأمثالهم وكالنظر إلى الكعبة ، وعلى هذا النحو تنظر في جميع الأعضاء المكلفة في الإنسان من تصرفها فيما ينبغي وكفّها عما لا ينبغي ، ومن جهة أخرى تعتبر الأعضاء الثمانية الأصناف التي تجب لهم الزكاة ، فمن زكى نظره بنفسه أعطى الزكاة بصره ، فعاد يبصر بربه بعد ما كان يبصر بنفسه ، وكذلك من زكّى سمعه بنفسه أعطى الزكاة سمعه ، فصار يسمع بربه ، وهو قوله : [كنت سمعه وبصره ... الحديث] ويتقلب في أموره كلها بربه ، والمعرفة مال العارف ، وزكاة هذا المال التعليم ، ومن وجه آخر اعتبار الأصناف الثمانية ، فالعلم والعمل بمنزلة الذهب والفضة ، ومن الحيوان الروح والنفس والجسم في مقابة الغنم والبقر والإبل ، ومن النبات