الحنطة والشعير والتمر ، وهي في الاعتبار ما تنبته الأرواح والنفوس والجوارح من العلوم والخواطر والأعمال ، وجعلنا الغنم للأرواح فإنها جعلت فداء ولد إبراهيم عليهالسلام ، نبي ابن نبي ، وجعلنا الإبل للأجسام لمناسبة الاسم ، فإن الجسم يسمى البدن ، والإبل من أسمائها البدن ، وكون البقر في مقابلة النفوس وهي دون الغنم في الرتبة وفوق الإبل ، كالنفس فوق الجسم ودون العقل الذي هو الروح الإلهي ، والروح الذي هو العقل يظهر عنه مما زرع الله فيه من العلوم والحكم والأسرار ما لا يعلمه إلا الله ، فهو بمنزلة الزكاة في الحنطة ، لأنها أرفع الحبوب ، وإن النفس يظهر عنها مما زرع الله فيها من الخواطر والشبهات ، ما لا يعلمه إلا الله تعالى ، فهذا نباتها وهو بمنزلة التمر ، وأما الجوارح فزرع الله فيها الأعمال كلها فأنبتت الأعمال ، وحظّ الزكاة منها الأعمال ، والورق العمل والذهب هو العلم ، والزكاة في العمل المفروض منه ، والزكاة في العلم أيضا المفروض منه.
(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (١٦٤)
كلم الله تعالى موسى عليهالسلام بغير واسطة بكلامه سبحانه بلا ترجمان. ولذلك أكده في التعريف لنا بالمصدر لرفع الإشكال ، وفي ذلك إشارة إلى فضله على غيره بخطاب مخصوص على رفع الحجاب ، لم يسمعه من ذلك المقام غيره ، وكلّم الله تعالى موسى عليهالسلام من حجاب النار والشجرة وشاطئ الوادي الأيمن وجانب الطور الأيمن وفي البقعة المباركة. واعلم أن الكلام والقول نعتان لله ، فبالقول يسمع المعدوم ، وهو قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وبالكلام يسمع الموجود ، وهو قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) : وقد يطلق الكلام على الترجمة في لسان المترجم ، وينسب الكلام إلى المترجم عنه في ذلك. فالقول له أثر في المعدوم وهو الوجود ، والكلام له أثر في الموجود ، وهو