العلم ، والكلام الإلهي لا يحكى ولا يوصف بالوصف الذاتي ؛ فإذا وقع التجلي الإلهي في أي صورة كانت ، فلا يخلو أن كانت من الصور المنسوب إليها الكلام في العرف أولا تكون ، فإن كانت من الصور المنسوب إليها الكلام ، فكلامها من جنس الكلام المنسوب إليها لحكم الصورة على التجلي. وإن كان مما لا ينسب إليه الكلام في العرف ، فلا يخلو إما أن تكون مما ينسب إليها القول بالإيمان مثل قول الجلود والجوارح (قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ) ، وإما أن لا تكون ممن ينسب إليه قول ولا نطق ، وهو الذي ينسب إليه التسبيح الذي لا يفقه ، والتسبيح لو كان قولا أو كلاما لنفى عنه سمعنا ، وإنما نفى عنه فهمنا وهو العلم ، والعلم قد يكون عن كلام وقول وقد لا يكون. فإذا تجلى في مثل هذه الصور ، فيكون النطق بحسب ما يريده المتجلي مما يناسب تسبيح تلك الصورة لا يتعداه ، فيفهم من كلام ذلك المتجلي تسبيح تلك الصورة ، فيكون الكلام المنسوب إلى الله عزوجل في مثل هذه الصور بحسب ما هي عليه ، هذا إذا وقع التجلي في المواد النورية والطبيعية ، فإذا وقع التجلي في غير مادة نورية ولا طبيعية وتجلّى في المعاني المجردة ، فيكون ما يقال في مثل هذا أنه كلام من حيث أثره في المتجلى له لا من حيث أنّه تكلم بكذا. واعلم أن كلام الله تعالى علمه ، وعلمه ذاته ، ولا يصح أن يكون كلامه ليس هو ، فإنه كان يوصف بأنه محكوم عليه للزائد على ذاته ، وهو لا يحكم عليه عزوجل. وكل ذي كلام موصوف بأنه قادر على أن يتكلم متمكن في نفسه من ذلك ، والحق لا يوصف بأنه قادر على أن يتكلم ، فيكون كلامه مخلوقا ، وكلامه قديم في مذهب الأشعري وعين ذاته في مذهب غيره من العقلاء ، فنسبة الكلام إلى الله مجهولة لا تعرف كما أن ذاته لا تعرف ، ولا يثبت الكلام للإله إلا شرعا ، ليس في قوة العقل إدراكه من حيث فكره ، ذكر أن موسى عليهالسلام كلمه ربه باثني عشر ألف كلمة في كل كلمة يقول له : (يا مُوسى) ، والكلام ما أثر ولا يدخله انقسام ، فإذا دخله الانقسام ، فهو القول ، وفيه المنّة الإلهية والطول. القرآن كله قال الله ، وما فيه تكلم الله ، وإن كان قد ورد فيه ذكر الكلام ، ولكن تشريفا لموسى عليهالسلام ، ولو جاء بالكلام ما كفر به أحد ، لأنه من الكلم فيؤثر فيمن أنكره وجحد. ألا ترى إلى قوله وكلّم الله موسى تكليما ، كيف سلك به نهجا قويما ، فأثر فيه كلامه وظهرت عليه أحكامه؟ فإذا أثر القول فما هو لذاته بل هو من الامتنان الإلهي والطول ـ إشارة ـ خصّ موسى بالكلام ليتقرر في نفسه نيل حظّه من