(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٨)
لم سمى الله تعالى البشر الناس؟ ـ من باب الإشارة ـ الناس اسم فاعل من النسيان معرّف بالألف واللام لأنه نسي أن الحق سمعه وبصره وجميع قواه في حال كونه كله نورا ، فلما لم يتذكر الناسي هذه الحال وهو في نفسه عليها غافل عنها ، خاطبه الحق مذكرا له بهذا القرآن الذي تعبده بتلاوته ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ما كانوا قد نسوه.
____________________________________
البصر فعاين ، فلو كان الغشاء بينه وبين المبصر ما صدق هذا القول ، فكان الغشاء بلا شك على البصر من جهة القلب ، فلا يبصر البصر القلب الذي يقبل ما جاء به ، بل جعله القلب من قبيل السحر والخيال ، فتعظيم العذاب هو العذاب من وجهين فصاعدا ، فلهم عذاب الجهل وعذاب التكذيب ، قال تعالى (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) فإنها أدركت بلا شك (وإنما تعمى القلوب) أعين البصائر وهو النظر في مقدمات الأدلة وترتيبها (الَّتِي فِي الصُّدُورِ) قد يكون من الرجوع عن الحق قال تعالى (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) لهم قوله : (٩) (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) الناس : اسم جنس لا واحد له من لفظه ، كقوم ومعشر ورهط ، وقد قيل في تصغيره نويس ، فلا أصل له في الهمز ، وقد تكلموا في اشتقاقه وقالوا إنه من النوس وهو الصوت ، وهذا كله لا فائدة فيه ، إذ قد علمنا لفظة الناس على من ينطلق ، فأقول : وإن كان سبب نزولها قوم مخصوصون ، فلا حاجة لذكرهم بما بيّن الله من صفتهم ، فكل من قامت به تلك الصفة فهو المراد بالآية إلى يوم القيامة قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) فلم يخبر تعالى أنهم قالوا : لا إله إلا الله ، ولا أنهم قالوا : اليوم الآخر حق ، وإنما أخبر عنهم أنهم قالوا (آمَنَّا بِاللهِ) فالمفهوم الأول التصديق بوجود الله ووجود اليوم الآخر ، فيتصور أن يكون هنا طائفتان ، ثم أخبر تعالى بنفي الإيمان عنهم فيما ادعوه ، قولا واعتقادا ، فقال (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) بوجود الله ، فيكون الإخبار عن المعطلة ، وهم على قسمين : معطلة من حيث الأصل ، ومعطلة بعد وجود ، فقوله (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) أي بمصدقين اعتقادا ، ولا ذكر أنهم تلفظوا به ، فتحقق نفي الإيمان عن قلوبهم ، وبقي الاحتمال في هل تلفظوا أم لا؟ واليوم الآخر ، وأما الطائفة الأخرى ، فقد يكونون مؤمنين بالله من حيث وجوده وإن كانوا مشركين ، ولا يؤمنون باليوم الآخر ولو كانوا موحدين من حيث الدليل ، فيكون الحق قد نفى بقوله تعالى : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) يعني بما جئت به من الغيب عنا وباليوم الآخر ، والأظهر أنه أراد المثبتين وجوده