لغيره مما نصبوه بأيديهم وأيدي من هو من جنسهم إلها ، وظهر لهم عجزه مما يزيد في شقاوتهم. ـ تنبيه ـ إذا ذكرت فاعلم بلسان من تذكر ، وإذا تلوت فاعلم بلسان من تتلو ، وما تتلو ، وعمن تترجم. مثال ذلك قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا) إلى هنا قول الله (آمَنَّا) حكاية عن المنافقين (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا) إلى هنا قول الله (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) حكاية فهكذا فلتعرف الأمور إذا وردت ، حتى يعلم قول الله من قول ما يحكيه لفظا أو معنى كل إنسان بما هو عليه ، فإن الله قد ترجم لنا قول أقوام مثل فرعون وغيره باللسان العربي والمعنى واحد ، فهذه الحكاية على المعنى.
____________________________________
وظنوا أنهم داخلوها ، فكانت تلك النظرة والفرح الذي قام لهم بالطمع بدخلوها جزاء لما جاؤوا به من الأعمال الظاهرة ، ظاهرا بظاهر ، عدلا منه سبحانه ، فإذا طابق الجزاء أعمالهم وأخذوا حقهم ، وهم لا يعلمون أنهم يصرفون عنها ، ضرب الله بينهم وبين الجنة سورا باطنه الجنة ، وظاهره من قبله العذاب ، فيؤمر بهم إلى النار ، فهذا هو استهزاء الله بهم وسخرية الله بهم ، فجمع سبحانه في هذا الفعل الواحد بين العدل والاستهزاء ، كما جمعوا بين الإسلام والكفر ، وليس للمنافقين من النار إلا الدرك الأسفل ، وهي النار التي تطلع على الأفئدة ، قال تعالى (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) وليس لهم في أعلاها مكان إلا على قدر معاصيهم الظاهرة ، والكافر يتعذب في النار علوا وسفلا ، بخلاف المنافق ، وكلهم في جهنم جميعا ، وهذا من عدل الله ، فإنه ليس في الجنة موضع ولا في النار موضع إلا وله عمل يطلبه من فعل وترك ، إلا ما في الجنة من أمكنة الاختصاص ، وليس في النار ذلك ، ولهذا ما ورد في القرآن يختص بنقمته من يشاء ، وورد يختص برحمته من يشاء ، فالنار ينزل فيها بالأعمال ، والجنة ينزل فيها بالأعمال والاختصاص الإلهي ، ولذا قال (سبقت رحمتي غضبي) إلى الاختصاص ، والله واسع الرحمة كما قال ، ولم يقل ذلك في النقمة ، فتحقق ما ذكرناه ، ثم قال (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يقول : يملي لهم مما هم فيه ، قال تعالى (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) وقوله (فِي طُغْيانِهِمْ) أي في تغاليهم ، أي فيما ارتفعوا فيه من الضلالة في بواطنهم إذا كانوا مع المؤمنين ، وفي ظواهرهم إذا كانوا مع أشكالهم من شياطينهم ، من طغى الماء إذا ارتفع وزاد على حده (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ) أي ارتفع ، وقوله تعالى (يَعْمَهُونَ) أي يحارون ، والعمه الحيرة والضلال ،