من اتخذها أربابا ، فذكرت الأسباب في إنبائها ، أن الله من ورائها ، وأنها غير متصلة بخالقها ، فإن الصنعة لا تعلم صانعها ، ولا منفصلة عن رازقها ، فإنّها تأخذ عنه مضارها ومنافعها ، فالعلاقة بين الأسباب والمسببات لا تنقطع ، فإنها الحافظة لكون هذا سببا ، وهذا مسببا عنه ، فسببية السماء فيما يظهر على الأرض من النبات من توجهها عليها بما تلقيه من الغيث فيها ، وتلقيها ، كذلك كل حركة فلكية ونظر كوكب في العالم العلوي وإمداد الطبيعة ، كل ذلك أسباب لوجود زهرة تظهر على وجه الأرض ، والسبب الحادث قد يعلم أن أثره وحكمه في المسبّب عن أمر إلهي فله فيه إرادة ، فهو سبب عرضي ، وقد لا يعلم أن أثره وحكمه في المسبب عن أمر إلهي فهو سبب ذاتي ، ومن جهة أخرى نقول : إن الغنى بالله لا يصح عن الله ، ولا عن المخلوقين من حيث العموم ، لكنه يصح من حيث تعيين مخلوق ما ، يمكن أن يستغنى عنه بغيره ، فإن الله ما وضع الأسباب سدى ، فمنها أسباب ذاتية لا يمكن رفعها هنا ، ومنها أسباب عرضية يمكن رفعها ، فمن المحال رفع التأليف والتركيب عن الجسم ، مع بقاء حكم الجسمية فيه ، فهذا سبب لا يمكن زواله إلا بعدم عين الجسم من الوجود ، وإذا كانت الأسباب الأصلية لا ترتفع فلنقر الأسباب العرضية أدبا مع الله ، فإنه ما وضعها إلا وهو يعلم الحكمة في وضعها ، ولا نركن إليها ، ونبقي الخاطر معلقا بالله ، فلا يرفع الأسباب إلا جاهل بالوضع الإلهي ، ولا يثبت الأسباب إلا عالم كبير أديب في العلم الإلهي ، ومع ذلك يجب أن نعلم أن لله في كل موجود وجها خاصا وفي كل ما وجد فيه ، وعن ذلك الوجه الخاص وجد ، ولا يعرف السبب قط ذلك الوجه الخاص الذي لمسببّه المنفعل عنه ، فلا يعلمه إلا الله خاصة وهو رقيقة الجود ، وكل خلق أضيف إلى خلق فمجاز وصورة حجابية ، ليعلم العالم من الجاهل ، وفضل الخلق بعضهم على بعض ـ إشارة لطيفة ـ إن فهمت معاني القرآن ، وكيف جعل الأرض فراشا ، وكيف خلق آدم منها ، علمت قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الولد للفراش يريد المرأة ، أي لصاحب الفراش ، كما كان آدم عليهالسلام حيث جعله خليفة فيمن خلق فيها ، ليكون أيضا صاحب فراش لأنه على صورة من أوجده ، فأعطاه قوة الفعل ، كما أعطاه قوة الانفعال ، فإن الله ما خلق الألفاظ حين عينها بالذكر سدى ، ولولا هذه الحكمة المطلوبة لا كتفى بالمهاد ولم
____________________________________
السلام : من الكبائر أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، فمن عجز عن الخلق فليس بإله ، فالخلق أخص