له في نفسه ، (فَأَحْياكُمْ) فأخرجكم إلى الوجود (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) وهو الموت العارض ، الذي يطرأ على الحي فيزيل حياته ، فإن حياة الجسم الظاهرة من آثار حياة الروح كنور الشمس الذي في الأرض من الشمس ، فإذا مضت الشمس تبعها نورها وبقيت الأرض مظلمة ، كذلك الروح إذا رحل عن الجسم إلى عالمه الذي جاء منه تبعته الحياة المنتشرة منه في الجسم الحي ، وبقي الجسم في صورة الجماد في رأي العين ، فيقال مات فلان وتقول الحقيقة رجع إلى أصله (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) كما رجع أيضا الروح إلى أصله ، حتى البعث والنشور يكون من الروح تجل للجسم بطريق العشق ، فتلتئم أجزاؤه ويتركب أعضاؤه بحياة لطيفة جدا تحرك الأعضاء للتأليف ، فإذا استوت البنية وقامت النشأة الترابية تجلى له الروح بالرقيقة الإسرافيلية في الصور المحيط ، فتسري الحياة في أعضائه ، فيقوم شخصا سويا كما كان أول مرة ، وهو قوله تعالى : (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)(ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فإما شقي وإما سعيد ـ الوجه الثاني ـ لما كان الموت سببا لتفريق المجموع ، وفصل الاتصالات وشتات الشمل سمي التفريق الذي هو بهذه المثابة موتا ، فقال تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) أي كنتم متفرقين في كل جزء من عالم الطبيعة ، فجمعكم وأحياكم ثم يميتكم أي يردكم متفرقين ، أرواحكم مفارقة لصور أجسامكم التي أخذ عليها الميثاق (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) الحياة الدنيا (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بعد مفارقة الدنيا ـ صلاة الجنازة على الطفل ـ أطلق الله علينا اسم الموت قبل نفخ الروح ، ولذلك يصلى على صورة الجنين ولو كان أصغر من البعوضة بحيث تكون أعضاؤه مصورة حتى يعلم أنه إنسان ، وإن
____________________________________
بالإيمان ، والفساد بالصلاح ، والقطيعة بالوصل ، ونقض العهد بالوفاء ، ثم أخذ سبحانه يقرر نعمته عليهم ، فقال (٢٩) (كَيْفَ) حرف استفهام مثل الهمزة بضرب من التوبيخ والتقرير والإنكار عليهم ، بما قررهم عليه من النعم التي يذكرها ، فقال كيف (تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) بلا حياة (فَأَحْياكُمْ) فخلق فيكم الحياة بخلق الروح الذي هو المقصود من الإنسان (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) أي يقبض أرواحكم الله ، لتلقوه فتشرفون بلقائه (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ثم يرد أرواحكم إلى أجسادها ، ليكون العبد عند ربه بكليته روحا وجسما ، كما كان بالموت روحا دون جسم ، فكان نعمة على نعمة ، فركب أرواحكم في أجسادكم لترجعوا إليه سبحانه ، فقال (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وجعله رجوعا لأنه خرج من عنده روحا عبدا ، فرده إلى تدبير جسده ، فرجع إليه واليا مليكا ،