من قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وقد ورد في الخبر أن ما سكت عن الحكم فيه بمنطوق فهو عافية ، أي دارس لا أثر له ولا مؤاخذة فيه ، فإن الله قد بيّن للناس ما نزّل إليهم من الأحكام في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم ، والساكت لا ينسب إليه أمر حتى يتكلم ولا مذهب ، ولهذا لا يدخل في الإجماع بسكوته. وهذه مسألة خلاف ، والصحيح ما قلناه ، كما أن ترك النكير ليس بحجة إلا في بقاء ذلك الأمر على الأصل المنطوق به في قوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وكلام بني آدم مما خلق في الأرض وجميع أفعالهم ، فإذا رأينا أمرا قد قيل ، أو فعل بمحضر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم ينكره ، فلا نقول إن حكمه الإباحة ، فإنه لم يحكم فيه بشيء ، إذ يحتمل أنه لم ينزل فيه شيء عليه ، وهو لا يحكم إلا بما أوحى الله فيه إليه ، فيبقى ذلك على الأصل وهو التصرف الطبيعي الذي تطلبه هذه النشأة من غير تعيين حكم عليه بأحد الأحكام الخمسة وهو الأصل الأول ، أو نرده إلى الأصل الثاني وهو قوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وليس بنص في الإباحة ، وإنما هو ظاهر لأن حكم المحظور خلق أي حكم به من أجلنا ، أي نزل حكمه من أجلنا ابتلاء من الله هل نمتنع منه أم لا ، كما نزل الوجوب والندب والكراهة والإباحة ، فالأصل أن لا حكم ، وهو الأصل الأول الذي يقتضيه النظر الصحيح (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) فالسموات من العناصر ، فهي أجسام عنصريات وإن كانت فوق الأركان بالمكان ، فالأركان فوقهن بالمكانة. ـ بحث في الاسنواء ـ من الآيات المتشابهة آيات الاستواء ، والأحاديث الواردة فيه ، ومرجعها فيه عند المحققين إلى الآيات المحكمات ، وأول ما ينبغي تقديمه معنى الاستواء لغة ، وأصله افتعال من السواء والسواء في اللغة العدل والوسط ، وله وجوه في الاستعمال ترجع إلى ذلك ، منها استوى يعني أقبل ، نقله الهروي عن الفراء ، فإن العرب يقولون استوى إلي يخاصمني أي أقبل إلي ـ الثاني : بمعنى قصد ، قاله الهروي ـ الثالث : بمعنى استولى ـ الرابع : بمعنى استقام ـ الخامس :
____________________________________
قوله تعالى (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) وسيأتي في (فصلت) وإنما قلنا خلق هنا بمعنى قدر ، لأنه قال بعد هذا (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) فجاء بثم ، يؤذن بالبعدية ، فخلق الأرض وقدر فيها أقواتها علما ، ثم استوى إلى السماء وكانت واحدة ففتقها وسواها سبع سموات طباقا