الصفات ، ولما وصف نفسه بالصورة عرفنا معنى قوله إنه الظاهر والباطن ، فالباطن للظاهر غيب ، والظاهر للباطن شهادة ، ووصف نفسه بأن له نفسا ، فهو خروجه من الغيب وظهور الحروف شهادة ، والحروف ظروف للمعاني التي هي أرواحها ، والتي وضعت للدلالة عليها بحكم التواطؤ ، وقال تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) وأبلغ من هذا الإفصاح من الله لعباده ما يكون ، فلا بد أن يفهم من هذه العبارات ما تدل عليه في ذلك اللسان بما وقع الإخبار به عن الكون ، فيعرف المعنى الذي يدل عليه ذلك الكلام وتعرف النسبة ، وما وقع الإخبار به عن الله يعرف المعنى الذي يدل عليه ذلك الكلام وتجهل النسبة ، لما أعطى الدليل العقلي والدليل الشرعي من نفي المماثلة ، فإذا تحققت ما قررناه ، تبينت أن كلام الله هو هذا المتلو المسموع ، المتلفظ به المسمى قرآنا ، فحروفه تعيّن مراتب كلمه من حيث مفرداتها ، ثم للكلمة من حيث جمعيتها معنى ليس لآحاد حروف الكلمة ، فللكلمة أثر في نفس السامع لهذا سميت كلمة في اللسان العربي ، مشتقة من الكلم وهو الجرح ، وهو أثر في جسم المكلوم ، كذلك للكلمة أثر في نفس السامع ، أعطاه ذلك الأثر استعداد السمع لقبول الكلام بوساطة الفهم ، لا بد من ذلك ، فإذا انتظمت كلمتان فصاعدا سمى المجموع آية ، أي علامة على أمر لم يعط ذلك الأمر كل كلمة على انفرادها ، مثل الحروف مع الكلمة ، إذ قد تقرر أن للمجموع حكما لا يكون لمفردات ذلك المجموع ، فإذا انتظمت الآيات بالغا ما أراد المتكلم أن يبلغ بها ، سمى المجموع سورة ، معناها منزلة ظهرت عن مجموع هذه الآيات ، لم تكن الآيات تعطى تلك المنزلة على انفراد كل آية منها ، وليس القرآن سوى ما ذكرناه من سور وآيات وكلمات وحروف ، هذا من كونه كلاما ، فإن أنزلناه كتابا ، فهو نظم حروف رقمية لانتظام كلمات ، لانتظام آيات ، لانتظام سور ، كل ذلك عن يمين كاتبة ، كما كان القول عن نفس رحماني ، فصار الأمر على مقدار واحد وإن اختلفت الأحوال ، لأن حال التلفظ ليس حال الكتابة ، وصفة اليد ليست صفة النفس ، فكونه كتابا كصورة الظاهر والشهادة ، وكونه كلاما كصورة الباطن والغيب ،
____________________________________
نصدقهم ولا نكذبهم ، بل نقول آمنا بالله ورسوله ، وإن كانوا صادقين لم نكذبهم وإن كانوا كاذبين لم نصدقهم ، كذا أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولما طهر الله سبحانه كتابنا هذا وقدسه عن التحريف سماه قرآنا مهموزا ، ولما جمع فيه ما تفرق في سائر الصحف والكتب وجميع ما يحتاج إليه من المعارف