ذلك عين الجهل ، فالأولى بالعبد الذي كلفه الله تدبير نفسه وولاه أن يعلم ، فإذا علم استعمله علمه فوفّى الحقوق أربابها ، ومثل هذا الإمام في العالم قليل.
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٣٠)
خلق الخليفة من العناصر ـ لما خلق الله الأفلاك والسموات ، وأوحى في كل سماء أمرها ، ورتب فيها أنوارها وسرجها ، وعمرها بملائكته وحركها فتحركت ، وخلق الجان من النار ، والطير والدواب البرية والبحرية والحشرات ، وقدر في الأرض أقواتها من أجل المولدات ، فجعلها خزانة لأقواتهم ، واستوت المملكة وتهيأت ، ما عرف أحد من هؤلاء المخلوقات كلها من أي جنس يكون هذا الخليفة؟ الذي مهد الله هذه المملكة لوجوده ، بترتيب الله الخلق بالإيجاد ، إلى أن انتهت النوبة والترتيب الإلهي إلى ظهور هذه النشأة الإنسانية الآدمية ، فلما وصل الوقت المعين في علمه لإيجاد هذا الخليفة ، أمر بعض ملائكته بأن يأتيه بقبضة من كل أجناس تربة الأرض ، فأتاه بها ـ في خبر طويل معلوم عند الناس ـ فأخذها سبحانه وخمرها بيديه في قوله «لما خلقت بيدي» فلما خمر الحق تعالى بيديه طينة آدم حتى تغير ريحها وهو المسنون ، وذلك الجزء الهوائي الذي في النشأة ، وكان الجزء الناري الذي أنشأه الله منه في قوله تعالى : (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) والجزء المائي هو الذي عجن به التراب فصار طينا ، فلما سوى نشأته جعل ظهره محلا للأشقياء والسعداء من ذريته ، فأودع فيه ما كان في قبضتيه ، فإنه سبحانه أخبر أن في قبضة يمينه السعداء ، وفي قبضة اليد الأخرى الأشقياء ، وكلتا يدي ربي يمين مباركة ، فقال : هؤلاء للجنة ،
____________________________________
الله من ذلك ، فمن وجوهه عندنا الابتلاء الذي نبهنا عليه ، ثم أردف هذه الآية بنعمة الاستخلاف وتعليم الأسماء والسجود لهذه النشأة الإنسانية ، فقال تعالى (٣١) (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ)