وبعمل أهل الجنة يعملون ، وهؤلاء إلى النار ، وبعمل أهل النار يعملون ، وأنشأ الحق هذه النشأة الإنسانية في أحسن تقويم ، ثم نفخ فيها من روحه المضاف إليه ، فحدث عند هذا النفخ فيه بسريانه في أجزائه الحياة وما يتبعها من كونه حيوانا ، وبذلك جمع الله في الإنسان الكامل بين الصورتين الطبيعيتين في نشأته ، فخلقه بجسم مظلم كثيف ، وبجسم لطيف محمول في هذا الجسم الكثيف سماه روحا له ، به كان حيوانا وهو البخار الخارج من تجويف القلب المنتشر في أجزاء البدن المعطي فيه النمو والإحساس ، ثم خصه بما يتميز به عن الحيوان بالقوة المصورة والعاقلة ، ثم أنشأه خلقا آخر وهو الإنسانية فجعله درّاكا بهذه القوى ، حيا عالما قادرا مريدا متكلما سميعا بصيرا على حد معلوم معتاد في اكتسابه ، وخصه دون العالم كله بالقوة المفكرة التي بها يدبر الأمور ويفصلها ، وليس لغيره من العالم ذلك فإنه على الصورة الإلهية ، ومن صورتها يدبر الأمر يفصل الآيات فتبارك الله أحسن الخالقين ـ البحث الثاني : ما هو الإنسان؟ ـ اعلم أن الناس اختلفوا في مسمى الإنسان ما هو؟ فقالت طائقة : هو اللطيفة وطائفة قالت : هو الجسم ، وطائفة قالت : هو المجموع وهو الأولى. وقد وردت لفظة الإنسان على ما ذهبت إليه كل طائفة ، ثم اختلفنا في شرفه هل هو ذاتي؟ أو هو بمرتبته نالها بعد ظهوره في عينه وتسويته كاملا في إنسانيته إما بالعلم وإما بالخلافة والإمامة؟ فمن قال : إنه شريف لذاته ، نظر إلى خلق الله إياه بيديه ، ولم يجمع ذلك لغيره من المخلوقين ، وقال : إنه خلقه على صورته ، فهذه حجة من قال شرفه شرف ذاتي ، ومن خالف هذا القول قال : لو أنه شريف لذاته لكنا إذا رأينا ذاته علمنا شرفه ،
____________________________________
لما اقتضى عند الله خلقنا صلاحا في نفس الأمر ، قرن التعريف لمحمد صلىاللهعليهوسلم بالاسم الرب الذي هو المصلح ، وأضافه إلى محمد صلىاللهعليهوسلم اعتناء به أنه المقصود من هذه النشأة ، إذ كان سيد الناس يوم القيامة ، وأخفى في الدنيا ما يجب من تعظيمه لعلو منزلته ، كما أخفى ما يستحقه جل جلاله من تعظيم عباده إياه ، وأطلق الألسنة عليه بأن له صاحبة وولدا ، وما وفع به التعريف مما لا يليق به ، كذلك قيل فيه صلىاللهعليهوسلم إنه ساحر مجنون كذاب ، وغير ذلك ، فإذا كان يوم القيامة وظهر الحق سبحانه في عزته وكبريائه ، فذلّ كل موجود تحت عزته على الكشف ، وذهبت الدعاوى وتبرأ الذين اتّبعوا من الذين اتّبعوا ، ظهر أيضا في ذلك اليوم مقام محمد صلىاللهعليهوسلم وسيادته على الناس ، وافتقار