ابتلاه قط في صورة من صوره في جميع العالم إلا في هذه الصورة الآدمية ، ولا عصى الإنسان قط خالقه إلا فيها ، ولا ادعى رتبة خالقه إلا فيها ولا مات إلا فيها ، ولهذا يقبل الموت أهل الكبائر في النار ، ثم يخرجون فيغمسون في نهر الحياة فيتركبون تركيبا لا يقبل الآلام ولا الأسقام ، فيدخلون بتلك الصورة الجنة ـ البحث الثالث ـ خلق آدم عليهالسلام الإنسان الكامل الأول ، والخليفة الأول ، باليدين وعلى الصورة الإلهية : لما أراد الله بالإنسان الخلافة والإمامة بدأ بإيجاد العالم ، وهيأه وسواه وعدله ورتبه مملكة قائمة ، فلما استعد لقبول أن يكون مأموما أنشأ الله جسم الإنسان الطبيعي ونفخ فيه من الروح الإلهي ، فخلقه على صورته لأجل الاستخلاف ، فظهر بجسمه فكان المسمى آدم فجعله في الأرض خليفة ، وكان من أمره وحاله مع الملائكة ما ذكر الله في كتابه لنا ، وجعل الإمامة في بنيه إلى يوم القيامة ، فالإنسان الكامل هو المقصود الذي به عمرت الدنيا وقامت ، وإذا رحل عنها زالت الدنيا ، ومارت السماء ، وانتثرت النجوم ، وكورت الشمس ، وسيرت الجبال ، وعطلت العشار ، وسجرت البحار ، وذهبت الدار الدنيا بآخرها ، وانتقلت العمارة إلى الدار الآخرة ، بانتقال الإنسان ، فعمرت الجنة والنار ، وما بعد الدنيا من دار : إلا الجنة والنار. واعلم أن الله جمع لنشأة جسد آدم بين يديه فقال «لما خلقت بيدي» فإنه لما أراد الله كمال هذه النشأة الإنسانية جمع لها بين يديه ، وأعطاها جميع حقائق العالم ، وتجلى لها في الأسماء كلها ، فحازت الصورة الإلهية ، والصورة الكونية ، وجعلها روحا للعالم وجعل أصناف العالم له كالأعضاء من الجسم للروح المدبرة له ، فلو فارق العالم هذا الإنسان مات العالم ، فالدار الدنيا جارحة من جوارح جسد العالم الذي الإنسان روحه ، فلما قابل الإنسان الحضرتين بذاته (الحضرة الإلهية والحضرة الكونية) صحت له الخلافة ، وتدبير العالم
____________________________________
في التعريف وإن لم يجر له ذكر ، وأما قوله تعالى (إِنِّي جاعِلٌ) أي خالق وناصب (فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فإن أراد في ذلك من يخلف من مضى في الأرض من الأمم قبلنا أو الملائكة ، وهو الأظهر ، فيدخل تحت هذه اللفظة آدم وذريته الكافر والمؤمن ، وإن أراد بالخلافة النيابة عنه في خلقه ، فتختص بذلك الرسل صلوات الله عليهم ، والوجهان صالحان لذلك (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) فلهذا تقوى عندنا وظهر أنا خلف من الملائكة في الأرض ، لأنهم لو فهموا من الحق في خطابه أن المراد غيرهم لما أجابوا بهذا الجواب ، هذا جواب