وتفصيله ، فإذا لم يحز الإنسان رتبة الكمال فهو حيوان تشبه صورته صورة الإنسان. فالإنسان الكامل من تممت له الصورة الإلهية ، ولا يكمل إلا بالمرتبة ، ومن نزل عنها فعنده من الصورة بقدر ما عنده ، ألا ترى الحيوان يسمع ويبصر ويدرك الروائح والطعوم والحار والبارد ولا يقال فيه إنسان! بل هو حمار وفرس وطائر وغير ذلك ، فلو كملت فيه الصورة قيل فيه إنسان ، كذلك الإنسان لا يكمل فيزول عنه الاسم العام إلى الاسم الخاص فلا يسمى خليفة إلا بكمال الصورة الإلهية فيه ، إذ العالم لا ينظرون إلا إليها ، وهو الآخر بخلقه الطبيعي فإنه آخر المولدات فإن الله ما خلق أولا من هذا النوع إلا الكامل ، وهو آدم عليهالسلام ، وهو لم يكن مبعوثا لأنه لم يكن مرسلا إلى أحد ، وإنما كان في الأرض لوجود عالم التركيب ، فهو مفتتح وجودنا ، فالإنسان الكامل ظاهره خلق ، وباطنه حق ، وما عدا هذا فهو الإنسان الحيواني ، ورتبة الإنسان الحيواني من الإنسان الكامل رتبة خلق النسناس من الإنسان الحيواني ، ثم أبان الحق عن مرتبة الكمال لهذا النوع ، فمن حازها منه فهو الإنسان الذي أريده ، ومن نزل عن تلك الرتبة فعنده من الإنسانية بحسب ما تبقى له ، وليس في الموجودات من وسع الحق سواه ، وما وسعه إلا بقبول الصورة ، فهو مجلى الحق فيرى الحق صورته في الإنسان الكامل ، ومعنى رؤية الحق صورته فيه هو : إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه. كما جاء في الخبر «فبهم تنصرون» والله الناصر «وبهم ترزقون» والله الرازق «وبهم ترحمون» والله الراحم ، فإنه سبحانه ما سمى نفسه باسم من الأسماء إلا وجعل للإنسان في التخلق بذلك الاسم حظا منه يظهر به في العالم على قدر ما يليق به ، وأنزله خليفة عنه في أرضه ، والخليفة معلوم أنه لا يظهر إلا بصفة من استخلفه ، فلا مخلوق أعظم رحمة من الإنسان الكامل الذي هو مجلى حقائق العالم ، فهو آخر نوع ظهر ، فأوليته حق وآخريته خلق ، فهو
____________________________________
على أنهم أجابوا من حيث ما فهموا ، وقد يكون الأمر في نفسه على ما فهموا وقد لا يكون ، وذلك أن كل كلام يحكيه الحق أو يخبر به أنه قول لأحد من خلقه ، لا يلزم منه أن يكون صحيحا مدلول ذلك القول ، ولا فاسدا ولا إصابة ولا خطأ ، وإنما تتبين صحته وفساده من دليل آخر سمعي أو عقلي ، والأظهر ما ذهبنا إليه في مفهومهم ، ولما أبصرت الملائكة نشأة الإنسان مركبة من طبائع متنافرة ، دلهم ذلك على أنه في جبلة هذا المخلوق المنازعة في جنسه ومع غير جنسه ،