الأول من حيث الصورة الإلهية ، والآخر من حيث الصورة الكونية ، والظاهر بالصورتين والباطن عن الصورة الكونية بما عنده من الصورة الإلهية ، وقد ظهر حكم هذا في عدم علم الملائكة بمنزلته مع كون الله قد قال لهم : إنه خليفة ، فكيف بهم لو لم يقل لهم ذلك؟ فلم يكن ذلك إلا لبطونه عن الملائكة ، وهم من العالم الأعلى العالم بما في الآخرة وبعض الأولى ، فإنهم لو علموا ما يكون في الأولى ما جهلوا رتبة آدم عليهالسلام مع التعريف الإلهي لهم بقوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) وما عرفه من العالم إلا اللوح والقلم وهم العالون ، ولا يتمكن لهم إنكاره والقلم قد سطره واللوح قد حواه ، فإن القلم لما سطره سطر رتبته وما يكون منه ، واللوح قد علم علم ذوق ما خطه القلم فيه. أما الملائكة فلم تر من آدم إلا صورته الطبيعية الجسمية المظلمة العنصرية الكثيفة ، لذلك قالت ما قالت ، وكان آدم عند العالم من الملائكة فمن دونهم مجهول الباطن ، فحكموا عليه بالفساد ، أي بالإفساد من ظاهر نشأته لمّا رأوها قامت من طبائع مختلفة متضادة متنافرة ، فعلموا أنه لا بد أن يظهر أثر هذه الأصول على من هو على هذه النشأة ، فلو علموا باطنه وهو حقيقة ما خلقه الله عليه من الصورة حيث قال صلىاللهعليهوسلم : «إن الله خلق آدم على صورته» لعلمت الملائكة ما جهلته من آدم ، فلما أعلمهم الله بكمال الصورة فيه وأمرهم بالسجود له سارعوا بالسجود ، ولا سيما وقد ظهر لهم بالفعل في تعليمه الأسماء إياهم ، ولو لم يعلمهم وقال لهم الله إني أعطيته الصورة والسورة لأخذوها إيمانا وعاملوه بما عاملوه به لأمر الله ، فلولا أن الله تعالى جمع لآدم في خلقه بين يديه فحاز الصورتين وإلا كان من جملة الحيوان الذي يمشي على رجليه ، وإنا وإن حزنا بخلقنا الصورة الربانية فنحن بحكم الأصل عبيد عبودية لا حرية فيها ، فما نحن سادة ولا أرباب ، قال صلىاللهعليهوسلم : كمل من الرجال كثيرون ولم يكمل من النساء إلا آسية
____________________________________
ويدخل في هذا الجان والإنس ، وإنما لم يذكروا ذلك وإن كانوا من طبائع متنافرة غير أنهم غلب عليهم عنصر النار كما غلب علينا عنصر التراب ، فهم أشد منازعة منا للحركة السريعة التي في لهب النار والسكون الذي في التراب ، فكل منازعة تقع منا فمن غلبة طبيعة النار في ذلك الوقت ، وهو الغضب والحمية ، وهو المرة الصفراء ، لكن الجان لما لم يقل لهم الحق إنهم يخلفونكم في الأرض لم يقولوا شيئا ، وإنما القول في الجان بالمنازعة أولى لما ذكرناه ف (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها