امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران. فلكون الإنسان الكامل على الصورة الكاملة صحت له الخلافة والنيابة عن الله تعالى في العالم ، فبالإنسانية والخلافة صحت له الصورة على الكمال ، وما كل إنسان خليفة ، فإن الإنسان الحيوان ليس بخليفة عندنا ، وليس المخصوص بها أيضا الذكورية فقط ، فكلامنا في صورة الكامل من الرجال والنساء ، فإن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى ، والذكورية والأنوثة إنما هما عارضان ليستا من حقائق الإنسانية لمشاركة الحيوانات كلها في ذلك ، وقد شهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالكمال للنساء كما شهد به للرجال فقال في الصحيح : كمل من الرجال كثيرون ، وكملت من النساء مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون. فالكمل هم الخلائف ، فإن الله قد اعتنى بالإنسان دون العالم غاية العناية ما لم يعتن بمخلوق بكونه جعله خليفة ، وأعطاه الكمال بعلم الأسماء ، وخلقه على الصورة الإلهية ، وأكمل من الصورة الإلهية ما يمكن أن يكون في الوجود. فالإنسان الكامل مثل ، ضد ، خلاف ، فهو مثل من حيث الصورة الإلهية ، ضد من حيث أنه لا يصح أن يكون في حال كونه عبدا ربا لمن هو له عبد ، خلاف من حيث أن الحق سمعه وبصره وقواه فأثبته وأثبت نفسه ، والإنسان الكامل الظاهر بالصورة الإلهية لم يعطه الله هذا الكمال إلا ليكون بدلا من الحق ، ولهذا سماه خليفة ، وما بعده من أمثاله خلفاء له ، فالأول وحده هو خليفة الحق ، وما ظهر عنه من أمثاله في عالم الأجسام فهم خلفاء هذا الخليفة وبدل منه في كل أمر يصح أن يكون له. واعلم أن المراتب كلها إلهية بالأصالة ، وظهرت أحكامها في الكون ، وأعلى رتبة إلهية ظهرت في الإنسان الكامل ، فأعلى الرتب رتبة الغنى عن كل شيء ، وتلك الرتبة لا تنبغي إلا لله من حيث ذاته ، وأعلى الرتب في العالم الغنى بكل شيء وإن
____________________________________
وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) فإن أرادوا بالفساد إزالة ترتيب بعض ما نظم الله عليه بعض العالم مما لهم تسلط عليه وقوة ، ويسفك الدماء فيهم وفيما يذبحونه من الحيوانات ويقتلونها ، فغيرة منهم على جناب الحق ، لأن له في كل ترتيب تسبيح مخصوص ، فإذا فسد ذلك النظام ذهب عين تلك الصورة فزال ذلك التسبيح والتقديس بزوال المسبح والمقدس ، فقالوا حقا وغيرة وإيثارا لجناب الحق ، وهو الظن بهم ، وإن أرادوا بالفساد وسفك الدماء غير ما تشرع لهم ، فينتهكون حرمة الحق المشروع ، ويتعدون حدوده ، ويخالفون أمره ، فيريدون المخالفين من بني آدم ، وسبب وجود الذرية وجود الأب الأول الذي هو الأصل ، وإنما لم يتعرضوا له ولكن يتضمنه الكلام ،