أعطى الرزاق النبات رزقه المعين وهو ما به غذاؤه وحياته ، فأعطاه الماء له ولكل حي في العالم ، وجعله رزقا له ، ثم جعل النبات رزقا لغيره من الحيوان ، فهو والحيوان رزق ومرزوق ، فالكل رزق ومرزوق.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١٠١)
الابتداع إظهار أمر على غير مثال ، هذا أصله ، ولهذا قال الحق تعالى عن نفسه (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي موجدها على غير مثال سبق ، فالأول في كل صورة مبدع والثاني ليس بمبدع ، فإنه على مثاله ، ولكنه مخلوق ، فهو بالخلق الأول بديع ، وبالخلق الثاني المماثل للخلق الأول خالق.
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (١٠٢)
هذا توحيد الرب بالاسم الخالق ، وهو توحيد الهوية ، وهذا توحيد الوجود لا توحيد التقدير ، فإنه أمر بالعبادة ، ولا يأمر بالعبادة إلا من هو موصوف بالوجود ، وجعل الوجود للرب ، فجعل ذلك الاسم بين الله وبين التهليل ، وجعله مضافا إلينا إضافة خاصة إلى الرب ، فهي إضافة خصوص ، لنوحده في سيادته ومجده في وجوب وجوده ، فلا يقبل العدم كما يقبله الممكن ، فإنه الثابت وجوده لنفسه ، ويوحد أيضا في ملكه بإقرارنا بالرق له ، ولنوحده توحيد المنعم لما أنعم به علينا ، من تغذيته إيانا في ظلم الأرحام وفي الحياة الدنيا ، ونوحده أيضا فيما أوجده من المصالح التي بها قوامنا ، من إقامة النواميس ووضع الموازين ومبايعة الأئمة القائمين بالدين ، وهذه الفصول كلها أعطاها الاسم الرب ، فوحدناه ونفينا ربوبية من سواه ، قال يوسف عليهالسلام لصاحبي السجن : (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد