القهار) وفي توحيد الربوبية هنا عمّ إضافة جميعنا إليه ، فقال : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) كل موجود سوى الله تعالى مركّب ، وهو الموجب لاستصحاب الافتقار له ، فإنه وصف ذاتي ، والذي نسمعه من البسائط إنما هي أمور معقولة لا وجود لها في أعيانها ، وقال تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) لنعلم أن الوجود مقسم بين عابد ومعبود ، فالعابد كل ما سوى الله تعالى ، وهو العالم المعبر عنه والمسمى عبدا ، والمعبود هو المسمى الله ، فكل ما سوى الله عبد لله ، ما خلق ويخلق.
(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٠٣)
(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) الضمير يعود على الوجه ، ووجه الشيء ذاته وحقيقته ، التي قال فيها الحق : [لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره] ، ولكن البصر يدركه من حيث التجلي الصوري في الأسماء من قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) وقوله صلىاللهعليهوسلم في الحديث الصحيح : [ترون ربكم] (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) لأنه نور ، والنور لا يدرك إلا بالنور ، فلا يدرك النور إلا به (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) لأنه نور (وَهُوَ اللَّطِيفُ) لأنه يلطف ويخفى في عين ظهوره فلا يعرف ولا يشهد كما يعرف نفسه ، ويشهدها ، (الْخَبِيرُ) علم ذوق ، (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) يعني في الدنيا مع ثبوت الرؤيا في الآخرة ، (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) ولم يخص دارا من دار ، بل أرسلها آية مطلقة ، ومسئلة معينة ، فلا يدركه سواه ، قيل للنبي صلىاللهعليهوسلم : أرأيت ربك؟ فقال : نور أنّى أراه ، فلا يزال حجاب العزة مسدلا ، لا يرفع أبدا ، جلّ أن تحكم عليه الأبصار عند مشاهدتها إياه ، لأنها في الحيرة والعجز ، فرؤيتها لا رؤيتها ، كما قال الصديق : العجز عن درك الإدراك إدراك. والمعنى الآخر أنه ما رآه مني إلا هويته ، فإنه صلىاللهعليهوسلم يقول : واجعلني نورا ، وظلمتي لا تدركه. (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) فإن البصر جاء ليدرك به لا أنه يدرك ، ولذا جاء في قوله (لا تُدْرِكُهُ) بضمير الغائب ، والغيب غير مدرك بالبصر والشهود ، وهو الباطن تعالى ، فإنه لو أدرك لم يكن غيبا ولا بطن ، ولكن (يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) فإنه لا يلزم الغيبة من الطرفين ، ما يلزم من هو غائب عنك أن تكون غائبا عنه ، قد يكون ذلك وقد لا يكون ، وأنت ظاهر ولا بد ، (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) فكثّر وجمع ، فإنها أبصار الكون ، والحقيقة المنفية في هذه