وكل مرئي لا يرى الرائي ـ إذا رآه ـ منه إلا قدر منزلته ورتبته فما رآه ، وما رأى إلا نفسه ، ولو لا ذلك ما تفاضلت الرؤية في الرائين ، إذ لو كان هو المرئي ما اختلفوا ، لكن لما كان هو مجلى رؤيتهم أنفسهم ، لذلك وصفوه بأن يتجلى ، وأنه يرى ، ولكن شغل الرائي برؤية نفسه في مجلى الحق حجبه عن رؤية الحق ، فإن الله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، قال صلىاللهعليهوسلم في حديث الدجال ودعواه أنه إله : إن أحدنا لا يرى ربه حتى يموت ، لأن الغطاء لا ينكشف عن البصر إلا بالموت ، والبصر من العبد هوية الحق ، فعينك غطاء على بصر الحق ، فبصر الحق أدرك الحق ورآه لا أنت ، فإن الله لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، ففي مدلول هذه الآية أنه يدرك تعالى نفسه بنفسه ، لأنه إذا كان بهويته بصر العبد ، ولا يقع الإدراك البصري إلا بالبصر ، وهو عين البصر المضاف إلى العبد ، وقال : إنه يدرك الأبصار ، وهو عين الأبصار ، فقد أدرك نفسه ، لذلك قال : (وَهُوَ اللَّطِيفُ) ولا ألطف من هوية تكون عين بصر العبد ، وبصر العبد لا يدرك الله ، وليس في القوة أن يفصل بين البصرين ، (اللَّطِيفُ) من حيث أنه لا تدركه الأبصار ، و (اللَّطِيفُ) المعنى من حيث أنه يدرك الأبصار ، أي دركه للأبصار دركه لنفسه ، وهذا غاية اللطف والرقة ، فما لطفه ولا أخفاه إلا شدة ظهوره ، فإنه البصر لكل عين تبصر ، فمن نظر بعين الإيمان رأى قوة نفوذه في الكثيف ، حتى سرى إلى اللطيف «الخبير» فيحصل له المعرفة بالأمر على ما هو عليه» ، «اللطيف» إذ كانت اللطافة مما ينبو الحس عن إدراكها ، فتعقل ولا تشهد ، فتسمى في وصفه الذي تنزه أن يدرك فيه باللطيف ، أي تلطف عن إدراك المحدثات ، ومع هذا فإنه يعلم ويعقل أن ثمّ أمرا يستند إليه ، فأتى بالاسم (الْخَبِيرُ) على وزن فعيل ، وفعيل يرد بمعنى المفعول ، كقتيل بمعنى مقتول ، وجريح بمعنى مجروح ، وهو المراد هنا والأوجه ، وقد يرد بمعنى الفاعل كعليم بمعنى عالم ، وقد يكون أيضا هو المراد هنا ، ولكنه يبعد ، فإن دلالة مساق الآية لا تعطي ذلك ، فإن مساقها في إدراك الأبصار لا إدراك البصائر فإن الله قد ندبنا إلى التوصل بالعلم به فقال : (فاعلم أنه لا إله إلا الله) ولا يعلم حتى ينظر في الأدلة ، فيؤدينا النظر فيها إلى العلم به على قدر ما تعطينا القوة في ذلك ، فلهذا رجحنا خبير هنا بمعنى المفعول ، أي أن الله يعلم ويعقل ، ولا تدركه الأبصار. ومن وجه آخر (الْخَبِيرُ) يشير إلى علم ذلك ذوقا ، فهو العليم خبرة أنه بصر العبد في بصر العبد ، وكذا