(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (١٢١)
المجادل الذي هو ولي الشيطان يظن أن ذلك من نفسه ومن نظره وعلمه ، وهو من وحي الشيطان إليه ـ إشارة ـ أهل السماع والوجد بالأشعار التي أهلت لغير الله ، هم أبعد الخلق عن الحق ، فإنهم أكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ، ولما كان الوجد يستدعي التنزل جاء في الآية (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) في مقابلة الوحي الحق فتفطن ، فلا ينبغي أن ينشد في حق الله شعرا قصد به قائله في أول وضعه غير الله ، نسيبا كان أو مديحا ، فإنه بمنزلة من يتوضأ بالنجاسة قربة إلى الله ، فإن القول في المحدث حدث بلا شك ، وقد نبه الله في كتابه على هذه المنزلة بقوله : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) وقوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) وقال : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) والشعر في غير الله مما أهل لغير الله به ، فإن للنية أثرا في الأشياء ، والله يقول : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) والإخلاص النية ، وهذا الشاعر ما نوى في شعره إلا التغزل في محبوبه ، والمديح فيمن ليس له بأهل لما شهد به فيه ، وكل ما كان قربة إلى الله شرعا فهو مما ذكر اسم الله عليه وأهل به لله ، وإن كان بلفظ التغزل وذكر الأماكن والبساتين والجوار ، وكان القصد بهذا كله ما يناسبها من الاعتبار في المعارف الإلهية والعلوم الربانية فلا بأس ، وإن أنكر ذلك المنكر فإن لنا أصلا نرجع إليه فيه ، وهو أن الله تعالى يتجلى يوم القيامة لعباده في صورة ينكر فيها ، حتى يتعوذ منها ، فيقولون : نعوذ بالله منك لست بربنا ، وهو يقول : أنا ربكم وهو هو تعالى.
(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢٢)