لَصادِقُونَ (١٤٦) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٤٩)
اعلم أن لله الحجة البالغة ، لأنه لا يجري عليك من الأقدار إلا ما كنت عليه ، فإنه يقول كذا علمتك ، وما علمتك إلا منك ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، فإن العلم تابع للمعلوم ، فإن قال المعلوم شيئا كان لله الحجة البالغة عليه بأن يقول : ما علمت هذا منك إلا بكونك عليه ـ في حال عدمه ـ وما أبرزتك في الوجود إلا على قدر ما أعطيتني من ذاتك بقبولك ، فيعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فيأخذ الناس ذلك إيمانا ، وأما أرباب الشهود فيأخذونه عيانا ، فيعلمون موقعها ومن أين جاء بها الحق ، فإن من المحال أن يتعلق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه ، ولذلك وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو نوزع ، فلو احتج أحد على الله بأن يقول له : علمك سبق فيّ بأن أكون على كذا ، فلم تؤاخذني؟ يقول له الحق : هل علمتك إلا بما أنت عليه؟ فلو كنت غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه ، فارجع إلى نفسك وأنصف في كلامك ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر في الأمر كما ذكرنا علم أنه محجوج وأن الحجة لله تعالى عليه ، أما سمعته تعالى يقول : (وما ظلمهم الله) (وما ظلمناهم) وقال : (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) كما قال : (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) يعني أنفسهم ، فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به في الوجود من الأحوال ، فالعلم تابع للمعلوم ، ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه. ومن وجه آخر : ما حكم الله في العباد إلا بهم ، وهو قوله : (جَزاءً وِفاقاً) (وجزاء بما كنتم تعملون) (وجزاء بما كنتم تكسبون) فأعمالهم عذبتهم وأعمالهم نعمتهم فما حكم فيهم غيرهم ، فلله الحجة البالغة ولا حجة لأحد على الله فمدح الله نفسه