أي لله إيجاد ذلك كله ، أي ظهور ذلك فيّ من أجل الله ، لا من أجل ما يعود عليّ في ذلك من الخير ، فإن الله يقول : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فالعالم من عبد الله لله ، وغير العالم يعبده لما يرجوه من الله ، من حظوظ نفسه في تلك العبادة ، لذلك قال : (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي سيد العالمين ومالكهم ومصلحهم.
(لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (١٦٣)
أي لا إله في هذا الموضع مقصود بالعبادة إلا الله ، الذي خلقني من أجلها ، أي لا أشرك فيها نفسي ، بما يخطر له من الثواب الذي وعده الله لمن هذه صفته (وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) يعود على الجملة كلها وعلى كل جزء جزء منها (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) أي من المنقادين لأوامره في قوله : (وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) حيث ورد في الحديث [وأنا من المسلمين].
(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (١٦٤)
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) قال تعالى : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) وقال :
(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ).
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٦٥)
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) هي رتبة الخلافة التي كانت لآدم عليهالسلام ، فالخلفاء نواب الحق في عباده ، وقوله تعالى : (خَلائِفَ) بالجمع ، والخليفة واحد أبدا ، فإن سر الخلافة واحد ، وهو متوارث تتوارثه هذه الأشباح ، فإن ظهرت في شخص ما ، مادام ذلك الشخص متصفا به ، من المحال شرعا أن يوجد لذلك القبيل في ذلك الزمان بعينه في شخص آخر ، وإن ادعاه أحد فهو باطل ، ودعواه مردودة ، وهو دجال ذلك الزمان ،