وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٨)
هي موازين الأعمال ، فإن رجح عمله به ثقل ميزان عمله به وارتفعت الكفة فيه ، فأخذ إلى عليين ، وإن رجح هو بعمله نزل بكفته في سجين ، لذلك قال تعالى.
(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) (٩)
الوزن يوم القيامة وزنان : وزن الأعمال بعضها ببعض ، ويعتبر في ذلك كفة الحسنات ، ووزن الأعمال بعاملها ، ويعتبر فيها كفة العمل ، لما كان الحشر يوم القيامة والنشور في الأجسام الطبيعية ظهر الميزان بصورة نشأتهم من الثقل ، فإذا ثقلت موازينهم ، وهم الذين أسعدهم الله ، فأرادوا حسنا وفعلوا في ظاهرهم حسنا فثقلت موازينهم ، فإن الحسنة بعشر أمثالها إلى مائة ألف مما دون ذلك وما فوقه ، وأما القبيح السيء ، فواحدة بواحدة ، فيخف ميزانه ، أعني ميزان الشقي بالنسبة إلى ثقل السعيد ، واعلم أن الحق تعالى ما اعتبر في الوزن إلا كفة الخير لا كفة الشر ، فهي الثقيلة في حق السعيد ، الخفيفة في حق الشقي ، مع كون السيئة غير مضاعفة ، ومع هذا فقد خفت كفة خيره ، فانظر ما أشقاه ، فالكفة الثقيلة للسعيد هي بعينها الخفيفة للشقي ، لقلة ما فيها من الخير ، أو لعدمه بالجملة ، مثل الذي يخرجه سبحانه من النار وما عمل خيرا قط ، فميزان مثل هذا ما في كفة اليمين منه شيء أصلا ، وليس عنده إلا ما في قلبه من العلم الضروري بتوحيد الله ، وليس له في ذلك تعمل مثل سائر الضروريات ، فلو اعتبر الحق بالثقل والخفة الكفتين ، كفة الخير والشر ، لكان يزيد بيانا في ذلك ، فإن إحدى الكفتين إذا ثقلت خفت الأخرى بلا شك ، خيرا كان أو شرا ، وأما إذا وقع الوزن به ، فيكون هو في إحدى الكفتين وعمله في الأخرى ، فذلك وزن آخر ، فمن ثقل ميزانه نزل عمله إلى أسفل ، فإن الأعمال في الدنيا من مشاق النفوس ، والمشاق محلها النار ، فتنزل كفة عمله تطلب النار ، وترتفع الكفة التي هو فيها لخفتها فيدخل الجنة لأن لها العلو ، والشقي تثقل كفة الميزان الذي هو فيها وتخف كفة عمله ، فيهوي في النار ،