ومكاشفاتك ، أو يأتيك بالجنة العاجلة وهي الشهوات واللذات ، فيزينها ويحببها للعبد ، ولكن الخوف يعرض له فيدرأه عنها ، ولولاه لوقع فيها ، وبوقوعه يكون الهلاك (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) بشبهات التعطيل أو وجود الشريك لله تعالى في ألوهيته ، فتطرده بدلائل التوحيد وعلم النظر الذي يعلم به وجود الباري ، أو يأتي الشيطان عن الشمال بالقنوط واليأس وسوء الظن بالله وغلبة المقت ، ولكن الرجاء وحسن الظن بالله عزوجل يدفعه ويقمعه ، فلتجعل الخوف عن يمينك والرجاء عن شمالك ، والعلم بين يديك والتفكر من خلفك ، فهذه الجهات الأربع التي يدخل عليك الخلل منها ، ومن جهة أخرى فإن الخلف للتعطيل ، والشمال للشرك ، واليمين للضعف ، ومن بين أيديهم التشكيك في الحواس ـ الوجه الثاني ـ الشيطان يأتي للمشرك من بين يديه ، فإنه رأى إذ كان بين يديه جهة عينيه ، فأثبت وجود الله ولم يقدر على إنكاره ، فجعله إبليس يشرك مع الله في ألوهيته ، ويأتي للمعطل من خلفه ، فإن الخلف ما هو محل النظر ، فقال له : ما ثمّ شيء ، أي ما في الوجود إله ، ويأتي إلى المتكبر عن يمينه ، لأن اليمين محل القوة ، فتكبر بقوته التي أحسها من نفسه ، فادعى الربوبية لنفسه ونفاها عن الله ، ويأتي المنافق عن شماله ، فإنه أضعف الطوائف ، كما أن الشمال أضعف من اليمين ـ الوجه الثالث ـ لما سكت إبليس في إتيانه العبد للإغواء عن الفوقية سكت عن التحت ، لأنه على خط استواء مع الفوق ، لأنه لعنه الله رأى نزول الأنوار على العبد من فوقه ، فخاف من الاحتراق ، فلم يتعرض في إتيانه من الفوق ، ورأى التحت على خط استواء من فوق ، فإن ذلك النور يتصل بالتحت للاستواء لم يأت من التحت ـ إشارة ـ فإن قلت : لم أتى إبليس ابن آدم من جميع جهاته إلا من أعلاه؟ قلنا : لئلا يحترق بنور تنزل الأمر من مولاه ، فإن قلت : فهلا أتاه من أسفله فيغويه؟ قلنا : إليه يدعوه فلا فائدة فيه ، أي السفل مقام الذل والعبودية. اعلم أن لك ست جهات ، أربعة منها للشيطان ، وواحدة لك وواحدة لله ، فأنت فيما منها لله معصوم فمن ثمّ خذ التلقي ، واحذر من الباقي وهو الخمسة ، ولذا جاء الشرع بخمسة أحكام ، منها جهتك وجهات الشيطان منك ، وأما جهته منك فلا حكم فيها للشرع ، وهي جهة معصومة لا يتنزل على القلب منها إلا العلوم الإلهية المحفوظة من الشوب.