(قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٨)
لا سبيل لخروج إبليس من جهنم لأنه وأتباعه من المشركين الذين هم أهل النار يملأ الله بهم جهنم ولا نقص فيها بعد ملئها فلا خروج.
(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (١٩)
(فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) كلا هو العامل في قوله : (مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) ، أول نهي ظهر في الوجود قوله تعالى لآدم وحواء : (لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) وكذلك أول أمر قوله تعالى للملائكة ولإبليس (اسْجُدُوا لِآدَمَ) فكان أول أمر ظهر في الوجود ، ولما كان هذا أول أمر ونهي لذلك وقعت العقوبة عند المخالفة ، والنهي ليس بتكليف عملي ، فإنه يتضمن أمرا عدميا ، وهو لا تفعل ، ومن حقيقة الممكن أنه لا يفعل ، فكأنه قيل له : لا تفارق أصلك ، والأمر ليس كذلك ، فإنه يتضمن أمرا وجوديا ، وهو أن يفعل ، فكأنه قيل له : اخرج عن أصلك ، فالأمر أشق على النفس من النهي ، إذ كلف الخروج عن أصله ، فلو أن إبليس لمّا عصى ولم يسجد لم يقل ما قال (*) من التكبر والفضلية التي نسبها إلى نفسه على غيره ، فخرج عن عبوديته بقدر ذلك ، فحلت به عقوبة الله ، وكانت العقوبة لادم وحواء لما تكلفا الخروج عن أصلهما وهو الترك ، ومن هذه الحقيقة قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إذا أمرتكم بأمر فافعلوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم فانتهوا] ـ إشارة ـ ما وقع التحجير على آدم إلا في الشجرة ، أي لا تقرب التشاجر ، والزم طريق إنسانيتك وما تستحقه ، ولا تزاحم أحدا في حقيقته ، فإن المزاحمة تشاجر وخلاف ، ولهذا لما قرب من الشجرة خالف نهي ربه ، فكان مشاجرا فذهب عنه في تلك الحال السعادة العاجلة في الوقت.
__________________
(*) جواب لو إما أن يكون محذوفا يفهم من السياق ، أو ساقطا من الأصل ، والمعنى : لو أن إبليس لما عصى ولم يسجد لم يقل ما قال ، ما عوقب ، لأنه لم يخرج عن أصله ، ولكنه لما قال ما قال من التكبر والفضلية ... إلخ.