(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٢٢)
تقدم الأمر لآدم عليهالسلام بسكن الجنة والأكل منها حيث شاء ، ثم نهاه عن قرب شجرة مشار إليها أن يقربها ، فوقع التحجير والنهي في قوله : (حَيْثُ شِئْتُما) لا في الأكل فما حجر عليه الأكل وإنما حجر عليه القرب منها الذي كان قد أطلقه في (حَيْثُ شِئْتُما) فما أكلا منها حتى قربا ؛ فتناولا منها ، فأخذا بالقرب لا بالأكل ـ إشارة ـ سر ظهور سوءاتهما ، معاينة مكمنات غاياتهما ، ونظيرهما في الوجود ، القلم واللوح المشهود ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، ليكون لهما عن ملاحظة الأغيار جنة.
(قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢٣)
(قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) حيث لم نتفطن لإشارتك بالتحجير والمنع في موطن التسريح والإباحة ، فظلمنا أنفسنا بما اكتسبت من الخطايا ، حيث عرضوها إلى التلف ، وكان حقا عليهم أن يسعوا في نجاتها بامتثال نهي سيدهم (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) أي وإن لم تسترنا عن وارد المخالفة حتى لا يحكم بسلطانه علينا ، فإنه لا يقدر على سترها إلا أنت (وَتَرْحَمْنا) بذلك الستر (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ما ربحت تجارتنا ، وهذه هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه أعطاه إياها لما اجتباه من قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) وما زاد آدم عليهالسلام على الاعتراف والدعاء ، فلم ير أكمل من آدم معرفة ، حيث اعترف ودعا ، وما عهد مع الله توبة عزم فيها أنه لا يعود.