(قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٢٤)
قيل لإبليس وحواء وآدم (اهْبِطُوا) بضمير الجماعة في ضمير واحد ، وهو كان أشد عقوبة على آدم ، ولم يكن الهبوط عقوبة لآدم وحواء ، وإنما كان عقوبة لإبليس ، فإن آدم أهبط لصدق الوعد بأن يجعل في الأرض خليفة ، بعد ما تاب عليه واجتباه ، وتلقى الكلمات من ربه بالاعتراف ، فاعترافه عليهالسلام في مقابلة كلام إبليس (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) فعرفنا الحق بمقام الاعتراف عند الله وما ينتجه من السعادة ، لنتخذه طريقا في مخالفاتنا ، وعرفنا بدعوى إبليس ومقالته لنحذر من مثلها عند مخالفتنا ، وأهبطت حواء للتناسل ، وأهبط إبليس للإغواء ، فكان هبوط آدم وحواء هبوط كرامة ، وهبوط إبليس هبوط خذلان وعقوبة واكتساب أوزار ـ إشارة ـ جعل بعضهم لبعض عدوا في هذه الدار ، ليستعينا بتأييد الله ، فيصح منهما الافتقار ، وينفرد جلاله بالعزيز الغفار.
(قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥) يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٢٦)
(يا بَنِي آدَمَ) ـ إشارة ـ رحم آدم عليهالسلام رحم مقطوعة عند أكثر الناس من أهل الله ، فكيف حال العامة في ذلك؟ فما تفطن الناس لقول الله تعالى في غير موضع «يا بني آدم يا بني آدم» يذكّر ، ولا أحد ينتبه لهذه الأبوة والبنوة ، ولا يتذكر إلا أولو الألباب ، جعلنا الله وإياكم ممن بر أباه (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) وليس إلا ما يسوءكم ما ينظر إليه منكم ، لما نسب إليها من المذام ، ـ إشارة ـ فقد سميت السوءة عورة لميلها ، فإن لها درجة السر في الإيجاد الإلهي ، وأنزلها الحق منزلة القلم الإلهي كما أنزل المرأة منزلة اللوح لرقم هذا القلم ، فلما مالت عن هذه المرتبة العظمى والمكانة الزلفى إلى أن تكون محلا لوجود الروائح الكريهة الخارجة منهما ، عن أذى الغائط والبول ، وجعلت نفسها طريقا لما تخرجه القوة الدافعة من البدن ، سميت عورة ، وأمر بستر هذه الحقيقة ، واللباس هو ما