يواري ويستر ويمنع من الضرر ، وهو ما زاد على الريش (يُوارِي سَوْآتِكُمْ) فيسترها غيرة (وَرِيشاً) هو لباس الظاهر (وَلِباسُ التَّقْوى) هو لباس الباطن (ذلِكَ خَيْرٌ) أي هو خير لباس ، فالتقوى لباس ، لأن الوقاية ستر يتقى به ما ينبغي أن يتقى منه ، فجعل التقوى لباسا ، والبدن هنا هو القلب ، ولذلك قال : (ذلِكَ خَيْرٌ) أي هو خير لباس ، والتقوى في اللباس هنا ما يقي به الإنسان كشف عورته ، ويكون سترا لعورته التي هي مذام الأخلاق ، وما يقى به الإنسان برد الهواء وحره ، فهو خير لباس من الريش. اعلم أن لباس الباطن الغذا ولباس الظاهر ما يدفع به الأذى ، فالجوع ألم يدفعه بالطعام ، والعطش ألم يدفعه بالشراب ، والحر والبرد ألم يدفعهما باللباس ، وسائر الآلام يدفعها بالأدوية التي جعلها الله لدفع الآلام ، وما عدا الدفع إما زينة أو اتباع شهوة.
(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٧)
(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ) فالتحق النساء بالرجال في الأبوة (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) فوصفهم باللطافة ، ويرانا هو وقبيله شهودا عينا ، فإن الاسم اللطيف أورث الجان الاستتار عن أعين الناس ، فلا تدركهم الأبصار إلا إذا تجسدوا.
(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٢٨)
الأمر من أقسام الكلام ، فما أمر الله بالذنوب وإنما أمر بالمسابقة والإسراع إلى الخير وفيه وإلى المغفرة ، وكما أنه تعالى لم يأمر بالفحشاء ، كذلك لا يريدها ، لكن قضاها وقدرها ،