ورع فصاحبه مخدوع ، فاسع جهدك في أن تأكل من عمل يدك إن كنت صانعا ، وإلا فاحفظ البساتين والفدادين ، والزم الاستقامة فيما تحاوله على الطريقة المشروعة ، والورع الشافي الذي لا يبقي في القلب أثر تهمة ، إن أردت أن تكون من المفلحين ، وهذا لا يحصل إلا بعد تحصيل العلم المشروع بالمكاسب والحلال والحرام ، لا بد لك منه هذا إذا كنت موكلا لنفسك ، واعلم آن الحلال عزيز المنال على جهة الورع ، قليل جدا ، لا يحتمل الإسراف والتبذير ، بل إذا تورعت على ما لزمه أهل الورع في الورع ، فبالحري أن يسلم لك قوتك على التقتير ، كيف أن تصل به إلى نيل شهوة من شهوات النفس؟ فالله الله يا بني ، حافظ على نفسك أن لا تصاحبها في شهوتها لهذه المطاعم الغالية الأثمان ، فإنك إن صاحبتها عليها وتقوى في خاطرك أن لو نلتها لعذوبتها وأن تأخذها على وجه الاعتبار ، أعمت بصيرتك ودلتك بغرور ، وأدخلت عليك ضربا من التأويلات في مكسبك ، ليكثر درهمك بما تلحق تلك الشهوة ، حتى تؤديك إلى التوريط في الشبهات ، وهي تريد الحرام ، فإن الراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، فسد عليها هذا الباب ، ولا تطعمها إلا ما تقوى به على أداء ما كلّفته وتكلفته ، على الشرط الذي ذكرت لك من التقليل ، وهكذا في اللباس ، وإياك والإسراف في النفقة وإن كانت حلالا صافيا ، فإنه مذموم وصاحبه مبذر ملوم ، قال تعالى : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) وقال تعالى : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فهذا قد عم اللباس والطعام والشراب ، فالبطن يا بني أكبر الأعداء بعد الهوى ، والفرج بعدهما ، عصمنا الله من الشهوات ، وحال بيننا وبين الآفات.
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٣٢)
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) فإن الله أضاف الزينة إليه ، وما أضافها إلى الدنيا ولا إلى الشيطان ، وأكثر من هذا البيان في مثل هذا القرآن فلا يكون ، فعليك بتحرير النية في