التكليف ، فما من نعمة ينعم الله بها عليه باطنة كانت أو ظاهرة ، إلا والتكليف من الله بالشكر عليها يصحبها ، فذلك التكليف ينغص على العارف التنعم بتلك النعمة ، لاشتغاله بموازنة الشكر عليها ، وإذا وفى الشكر عليها ، فالوفاء به نعمة من الله عليه يجب عليه الشكر عليها ، فلا يزال متعوب الخاطر في إقامة الوزن بالقسط ، أن لا يخسر الميزان ، ومن هذه حالته كيف ينعم؟ فظاهرها نعمة وباطنها غصص ، وهو لا يبرح يتقلب في نعم الله ظاهرا وباطنا ، ولا تؤثر عنده إلا ألما وتنغيصا ، والعامة تفرح بتلك النعم وتتصرف فيها أشرا وبطرا ، والعارف مسدود عليه في الدنيا باب الراحة في قلبه ، وإن استراح في ظاهره ، فهو يموت في كل نفس ألف موتة ولا يشعر به ، يقول عمر بن الخطاب : ما ابتلاني الله بمصيبة إلا رأيت لله عليّ فيها ثلاث نعم ، إحداها أن لم تكن في ديني ، الثانية حيث لم تكن أكبر منها ، الثالثة ما وعد الله عليها من الثواب ، ومن كان في مصيبة واحدة يرى ثلاث نعم ، فقد انتقل إلى مصيبة أعظم من تلك المصيبة ، فإنه يتعين عليه إقامة ميزان الشكر على ثلاث نعم ، فابتلاه الله بمصيبة واحدة ليصبر عليها ، وابتلته معرفته في تلك المصيبة بثلاث مصائب كلفه الله الشكر عليها ، حيث أعلمه بتلك النعم في تلك المصيبة الواحدة ، فانظر إلى معرفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كيف أوجب على نفسه مثل هذا ، وانظر إلى ما فيها من الأدب ، حيث عدل عن النظر من كونها مصيبة إلى رؤية النعم ، فتلقاها بالقبول ، لأن النعمة محبوبة لذاتها ، فرضي فكان له مقام الرضا والاستسلام والتفويض والصبر والاعتماد على الله ، وأين الناس من هذا الذوق الشريف (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) الطيب من الرزق ليس في أكله تنغيص بل لذة ونعيم في الدنيا والآخرة ، ولذلك قال تعالى : (خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) فلو كان مناقشة حساب لم تكن خالصة ، ولا وقعت للمؤمن بها لذة ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) فاعلم أن ذلك في مجرد الأكل الحلال ، والحساب إنما يقع والسؤال في كسبه والوصول إليه ، لا في أكله إذا كان حلالا ، فإنه يغمض هذا المعنى على أكثر الناس ـ تحقيق ـ زينة الله أسماؤه ، فمن تخلق بأسماء الله وصفاته على الحد المشروع ، فقد تحلى بزينة الله التي أخرج لعباده في كتابه وعلى ألسنة رسله ، جاء في الحديث [ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به] فمن كان الحق سمعه وبصره وجمع قواه