المصلي في مسجد المدينة ، وكذلك الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في المسجد الأقصى ، وهكذا فضل الصلاة في المسجد الأقصى على سائر المساجد ، ويتفاضلون أيضا بالأحوال ، فإن الصلاة في الجماعة في الفريضة أفضل من صلاة الشخص وحده ، وأشباه هذا ، ويتفاضلون بالأعمال ، فإن الصلاة أفضل من إماطة الأذى ، وقد فضل الله الأعمال بعضها على بعض ، ويتفاضلون أيضا في نفس العمل الواحد ، كالمتصدق على رحمه ، فيكون صاحب صلة رحم وصدقة ، والمتصدق على غير رحمه دونه في الأجر ، وكذلك من أهدى هدية لشريف من أهل البيت أفضل ممن أهدى لغير شريف أو بره أو أحسن إليه ، ووجوه المفاضلة كثيرة في الشرع ، والرسل عليهمالسلام إنما ظهر فضلها في الجنة على غيرها بجنة الاختصاص ، وأما بالعمل فهم في جنات الأعمال بحسب الأحوال كما ذكرنا ، وكل من فضل غيره ممن ليس في مقامه فمن جنات الاختصاص لا من جنات الأعمال ، ومن الناس من يجمع في الزمن الواحد أعمالا كثيرة ، فيصرف سمعه فيما ينبغي في زمان تصريفه بصره ، في زمان تصريفه يده ، في زمان صومه ، في زمان صدقته ، في زمان صلاته ، في زمان ذكره ، في زمان نيّته من فعل وترك ، فيؤجر في الزمن الواحد من وجوه كثيرة ، فيفضل غيره ممن ليس له ذلك ، ولذلك لما ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الثمانية الأبواب من الجنة أن يدخل من أيها شاء ، قال أبو بكر : يا رسول الله وما على الإنسان أن يدخل من الأبواب كلها؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أرجوا أن تكون منهم يا أبا بكر. فأراد أبو بكر بذلك القول ما ذكرنا ، أن يكون الإنسان في زمان واحد في أعمال كثيرة تعم أبواب الجنة ، واعلم أن جنة الأعمال مائة درجة لا غير ، كما أن النار مائة درك ، غير أن كل درجة تنقسم إلى منازل.
ـ إشارة ـ من تسلل لواذا ، واعتصم عياذا ، واتخذ لا مقام ملاذا ، وصير الأصنام جذاذا ، وأمطر وابلا ورذاذا ، وجب أن يقول : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) ـ شرح هذه الإشارة ـ قوله : «من تسلل لواذا» أي من انتزع عن نفسه انتزاعا خفيا لا يشعر به في العامة ولا في الخاصة ، ولاذ بالله تعالى ، كالمتصدق بيمينه لا تعرف بها شماله ، قوله : «واعتصم عيا ذا» أي اتخذ الله من حيث جمعية هذا الاسم أمرا يتعوذ به ، كما قال : «وأعوذ بك منك» لأنه لم ير في مقابلة الحق إلا الحق «واتخذ لا مقام ملاذا» أراد ميراثا محمديا (١) ،
__________________
(١) راجع معنى «لا مقام» في كتابنا شرح كلمات الصوفية ص ١٦٠ عند شرح كلمة أبي يزيد البسطامي «لا صباح لي ولا مساء».