(أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (٢٠)
(وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) فالله تعالى ملك بالحقيقة ، والمخلوق ملك بالجعل ، فأثبت الملوك في الأرض في قوله : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) فإن من أسمائه تعالى الملك ، وما أثبته الله لا يلحقه الانتفاء ، كما أنه إذا نفى شيئا لا يمكن إثباته أصلا ، وإن كان لا ملك إلا الله ، ولكن الله قد أثبت الملوك.
(يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٣)
فجعل التوكل علامة علامة على وجود الإيمان في قلب العبد ، ولم يتخذه وكيلا إلا طائفة مخصوصة من المتوكلين المؤمنين الذين امتثلوا أمر الله في ذلك في قوله : (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) فاتخذوه وكيلا فيما خلق لهم ليتفرغوا إلى ما خلقوا له ، فلا يتوكل عليه في أمره كلّه إلا مؤمن ، واعلم أنه لما وضع الله الأسباب وظهر العالم مربوطا بعضه ببعضه ، فلم تنبت سنبلة إلا عن زارع وأرض ومطر ، وأمر سبحانه بالاستسقاء إذا عدم المطر تثبيتا منه في قلوب عباده لوجود الأسباب ، لهذا لم يكلف عباده قط الخروج عن السبب ، فإنه لا تقتضيه حقيقته ، وإنما عين له سببا دون سبب ، فقال له : أنا سببك فعلي فاعتمد وتوكل كما ورد (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فالرجل من أثبت الأسباب ، فإنه لو نفاها ما عرف الله ولا عرف نفسه ،