حَثِيثاً) هذا الطلب منهما لإبراز أعيان الحوادث (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) فكانت منافع الحيوانات بها وعن أحكامها بما أودع الله فيها. واعلم أن الفلك عندنا متحرك تحرك الإنسان في الجهات ، لأنه يعقل ويكلّف ويؤمر ، كما قال عليهالسلام في ناقته إنها مأمورة ، وقال عليهالسلام في الشمس إنها تستأذن في الطلوع ، فالفلك متحرك بالإرادة ليعطي ما في سمائه من الأمر الإلهيّ الذي يحدث الأشياء في الأركان والمولدات بما أودع الله فيها من العقل والروح والعلم ، فتعطي أشخاص كل نوع من المولدات على التعيين من معدن ونبات وحيوان وجن وملك مخلوق من عمل أو نفس بقول من تسبيح وذكر أو تلاوة ، وذلك لعلمها بما أودع الله لديها ، وهو قوله تعالى : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) فمن لا كشف له يرى أن ذلك كله الكائن من سريانها أنها مسخرات في حركاتها لإيجاد هذه الأمور ، كتحريك الصانع للآلات لإيجاد صورة ما يريد إيجادها ، كالصورة في الخشب وغيره ، ولا تعرف الآلات شيئا من ذلك ولا ما صدر عنها ، وعندنا كل جزء من الكون عالم بما يراد منه ، فهو على بصيرة ، حتى أجزاء بدن الإنسان ، فما يجهل منه إلا لطيفته المكلفة الموكلة إلى استعمال فكرها ، أو تنظر بنور الإيمان حتى يظهر ذلك النور على بصرها ، فيكشف ما كان خبرا عندها ، فما من متحرك في العالم إلا وهو عالم بما إليه يتحرك إلا الثقلين ، فقد يجهلون ما يتحركون إليه ، بل يجهلون (وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) بما في حركة كل كوكب ، وما له من اقترانات مع الكواكب بما يحدث عنها من الأمور المختلفة ، بحسب الأقاليم وأمزجة القوابل ومساقط نطفه في أشخاص الحيوان ، فيكون القران واحدا ويكون أثره في العالم العنصري مختلفا بحسب الأقاليم وما يعطيه طبيعته ، فهي حوادث أمّن الله عليها هذه الكواكب المسخرة (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) الخلق خلقان : خلق تقدير ، وهو الذي يتقدم الأمر الإلهي ، كما قدمه الحق ، وأخّر عنه الأمر ، فقال تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) والخلق الآخر بمعنى الإيجاد ، وهو الذي يساوق الأمر الإلهي ، وإن تقدمه الأمر الإلهي بالرتبة ، فالأمر الإلهي بالتكوين بين خلقين ، خلق تقدير وخلق إيجاد ، فمتعلق الأمر خلق الإيجاد ، ومتعلق خلق التقدير تعيين الوقت لإظهار عين الممكن ، فيتوقف الأمر عليه ، فالأمر الإلهي يساوق الخلق الإيجادي في الوجود ، فعين قول كن ، عين قبول الكائن للتكوين فيكون ، فالفاء في قوله فيكون جواب أمره كن ، وهي فاء التعقيب ، وليس الجواب