(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) وهو الميقات الموسوي الأول ، إلا أنه طرأ أمر أخل به ، فزاد عشرا جبرا لذلك الخلل ، فقال تعالى : (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) ـ إشارة ـ ضرب الحق لموسى الميقات ليعلم أنه تحت رق الأوقات ، وجاء العدد بالليل ولم يجىء بالنهار لاحتجاب الحق عن الأبصار ، ومقامات الخلفاء ، ومصابيح الظلماء ثمانية وعشرون ، وحضراتهم اثنتا عشرة لتتميم الأربعين ، وهي منازل السالكين فجعله يسلك أربعين مقاما من مغيبات الأسرار ، فصح له الاتصال عند الأسحار ، وانتظم بها في شمل أمة محمد الداعي من مقام الأرواح ، في تخلقهم بالأربعين صباح ، وهو ميقات الوارثين ، فشرف بذلك كليم رب العالمين ، ولذلك كان منه مع محمد عليهماالسلام في أمر الصلاة ما شهر ، لأنه في أمته يطلب الرفق بإخوته كما ذكر ، وذلك لما وقع هنالك في حدسه ، أن محمدا عليهالسلام سيقول : لا يكمل عبد الإيمان حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ، ألا تراه صلىاللهعليهوسلم قال في موسى : لو كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني ، فأوضح لنا المعنى ، وبيّن لنا حقيقة أنه منا ـ إشارة ـ اترك الحق خليفتك على أهلك كما قال عليهالسلام : اللهم أنت الخليفة في الأهل ، فاستخلف الحق في الحقيقة ، ولا تبال حينئذ بمن يختاره من عالم الحس ، فإنك إذا توكلت على الحق واستخلفته ، وفق خليفتك الذي هو في عالم التكليف ، وهي سنة الله تعالى.
(وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (١٤٣)
اعلم أن المناجاة كلام لا مشاهدة فيها ، فإن الحجاب يصحبها ، فإن الله يقول : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) وكذلك كلم الله موسى ، ولذلك طلب الرؤية ، وموسى عليهالسلام من العلماء بالله ، وقد سأل الله الرؤية ، فما سألها عليه