استعداد البقاء عند التجلي أو لا يكون له ذلك ، فإن كان له ذلك فلا بد أن يبقى ، وإن لم يكن له ، فكان له استعداد قبول التجلي ولم يكن له استعداد البقاء ، ولا يصح أن يكون له ، فإنه لا بد من اندكاك أو صعق أو فناء أو غيبة أو غشية ، فإنه لا يبقى له مع الشهود غير ما شهد ، فلا تطمع في غير مطمع ، قال بعضهم : شهود الحق فناء ما فيه لذة لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي ، وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي الله لهذا المتجلى له من الاستعداد ، وعين حصول التجلي عين حصول العلم ، لا يعقل بينهما بون ، وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل والالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري ، ومن لم ير غيره ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد ـ إشارة ـ لم سأل موسى عليهالسلام الرؤية وهو يعجز عن النظر؟ حتى لا يبقى له من الميراث أثر ، فإن الرؤية للنبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، وانظر إلى كثرة سواد موسى عليهالسلام في الآخرة لقرب نسبته من الرسول عليهماالسلام.
(قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١٤٤)
فشهد الله لموسى أنه اصطفاه على الناس برسالاته وبكلامه ثم قال له : (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ولا شك أن موسى قد شكر الله على نعمة الاصطفاء ونعمة الكلام شكرا واجبا مأمورا به ، فيزيده الله لشكره نعمة رؤيته إياه ـ إشارة ـ أمره أن يكون من الشاكرين ليزيد في القرب والتمكين.
(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) (١٤٥)
(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ) ألواح موسى (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) وهو اللوح المحفوظ (مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) ففصلت الكتب المنزلة مجمل اللوح المحفوظ ، وأبانت عن موعظته