(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١٥٠)
(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ) وجدهم قد فعلوا ما فعلوا (غَضْبانَ) على قومه (أَسِفاً) عليهم لما فعلوه من اتخاذهم العجل إلها (قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي) لما ترك موسى قومه خلفه وسار إلى ربه سماهم خلفاء ، وما استخلفهم ولكنه تركهم خلفه (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) من يده (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) عقوبة له بتأنيه في قومه ، ولو لم يلق موسى الألواح ما أخذ برأس أخيه ، فإن في نسختها الهدى والرحمة تذكرة لموسى ، فكان يرحم أخاه بالرحمة ، وتتبين مسألته مع قومه بالهدى ، فناداه هارون عليهالسلام بأمه ، فإنها محل الشفقة والحنان (قالَ ابْنَ أُمَّ) لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) كما قال له أيضا (إِنِّي خَشِيتُ) لما وقع ما وقع من قومك ، أن تلومني على ذلك ، وتقول : (فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ) أي تلزم (قَوْلِي) الذي أوصيتك به (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فهذا هارون الخليفة العلي ، المنيع السني ، سقاه كأس الذل ، من أوى إلى الظل ، فناداه بذات الرحم ، وقد علم أنه لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ، فسوى بينهما في النور والضيا ، وتبرزا في صدر الخلفا ـ إشارة ـ أتعرف ما جزاء من استخلف في مقام الإحسان؟ أن يأخذ بلحيته كليم الرحمن ، أي أن العبد ما دام في عبوديته ، كانت السلامة له مصاحبة ، فإذا قبل النيابة في الخلافة فقد تلبسها وظهر بأوصافها ، وأبطن عبوديته ، فحينئذ يبتلى بمن يأخذ بلحيته للاختبار ـ إشارة ـ لا شك أن هارون عليهالسلام أعلى رتبة ممن قال من العارفين : إن