يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) (١٧٢)
هذا هو الميثاق الثاني بعد وجود آدم ، قبض الحق على ظهره واستخرج منه بنيه ، وأشهدهم على أنفسهم ، وهو العهد الخالص ، أي الدين الخالص ، والميثاق الأول كان قبل وجود جسد آدم ، وهو ميثاق النبيين ، وكما ذكرنا في تفسير قوله تعالى : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) وأن لهذه النشأة الإنسانية صورا مبثوثة في العناصر والأفلاك والسموات والكرسي والعرش واللوح والقلم ، حتى في العدم ، كذلك لو لا ما كان لنا وجود في صورة آدم العنصرية ، معينين مرئيين متميزين عند الله في علمه ورؤيته وعندنا ما قلنا «بلى» أنت ربنا ، فإن آدم عليهالسلام لما أوجده الله وسواه كما سوى الأفلاك جعل لنا في صورته صورا ، مثل ما فعل فيما تقدم من المخلوقات ، ثم قبض على تلك الصور المعينة في ظهر آدم ، وآدم لا يعرف ما يحوي عليه ، كما أنّ كل صورة لنا في كل فلك ومقام لا يعرف بها ذلك الفلك ولا ذلك المقام ، وأنه للحق في كل صورة لنا وجه خاص إليه ، من ذلك الوجه يخاطبنا ، ومن ذلك الوجه نرد عليه ، ومن ذلك الوجه نقر بربوبيته ، فلو أخذنا من بين يدي آدم لعلمنا ، فكان الأخذ من ظهره غيبا له ، وأخذه أيضا معنا في هذا الميثاق من ظهره ، فإن له معنا صورة في صورته ، فشهد كما شهدنا ، ولا يعلم أنه أخذ منه ، أو ربما علم ، فإنه ما نحن على يقين من أنه لم يعلم بأنه أخذ منه ولا بأنا أخذنا منه ، فقد ورد في الخبر المشهور الحسن الغريب [أن الله تجلى لآدم عليهالسلام ويداه مقبوضتان فقال له : يا آدم اختر أيتهما شئت ، فقال : اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة ، قال : فبسطها ، فإذا آدم