فإن لم يكن حكمها يعم وإلا بقي منها ما لا أثر له معطلا. فلما خلق الله العالم رأيناه ذا مراتب وحقائق مختلفة ، تطلب كل حقيقة منه من الحق نسبة خاصة ، فلما أرسل تعالى رسله كان مما أرسلهم به لأجل تلك النسب أسماء تسمى بها لخلقه ، يفهم منها دلالتها على ذاته تعالى ، وعلى أمر معقول لا عين له في الوجود ، له حكم هذا الأثر والحقيقة الظاهرة في العالم من خلق ورزق ، ونفع وضر ، وإيجاد واختصاص ، وأحكام وغلبة وقهر ولطف ، وتنزل واستجلاب ومحبة ، وبغض وقرب ، وبعد وتعظيم وتحقير ، وكل صفة ظاهرة في العالم تستدعي نسبة خاصة لها اسم معلوم عندنا من الشرع ، فمنها مشتركة وإن كان لكل واحد من المشتركة معنى إذا تبين ظهر أنها متباينة فالأصل في الأسماء التباين والاشتراك فيه لفظي ، ومنها متباينة ومنها مترادفة ، ومع ترادفها فلا بد أن يفهم من كل واحد معنى لا يكون في الآخر ، فعلمنا ما سمى به نفسه واقتصرنا عليها.
«بحث في الأسماء الإلهية» تنقسم الأسماء الإلهية إلى أسماء إلهية تطلب العالم ، ويطلبها العالم ، كالاسم الرب والقادر والخالق والنافع والضار والمحيي والمميت والقاهر والمعز والمذل إلى أمثال هذه الأسماء. وثم أسماء إلهية لا تطلب العالم ، ولكن يستروح منها نفس من أنفاس العالم من غير تفصيل ، كما يفصل بين هذه الأسماء التي ذكرناها آنفا فأسماء الاسترواح كالغني والعزيز والقدوس وأمثال هذه الأسماء ، وما وجدنا لله أسماء تدل على ذاته خاصة من غير تعقل معنى زائد على الذات فإنه ما ثم اسم إلا على أحد أمرين : إما ما يدل على فعل وهو الذي يستدعي العالم ولا بد ، فإنه من المحال أن يكون في العالم شيء ليس له مستند إلى أمر إلهي يكون نعتا للحق كان ما كان ، وإما ما يدل على تنزيه وهو الذي يستروح منه صفات نقص كوني تنزه الحق عنها ، غير ذلك ما أعطانا الله. فما ثم اسم علم ما فيه سوى العلمية لله أصلا إلا إن كان ذلك في علمه أو ما استأثر الله به في غيبه مما لم يبده لنا ، وسبب ذلك لأنه تعالى ما أظهر أسماءه لنا إلا للثناء بها عليه ، فمن المحال أن يكون فيها اسم علمي أصلا ، لأن الأسماء الأعلام لا يقع بها ثناء على المسمى ، لكنها أسماء أعلام للمعاني التي تدل عليها ، وتلك المعاني هي التي يثنى بها على من ظهر عندنا حكمه بها فينا ، وهو المسمى بمعانيها ، والمعاني هي المسماة بهذه الأسماء اللفظية ، كالعالم والقادر وباقي الأسماء. فلله الأسماء الحسنى وليست إلا المعاني ، لا هذه الألفاظ ، فإن الألفاظ لا تتصف بالحسن والقبح إلا