عنه ولم يتسع له استراح على عالم الشهادة ، فتنفس الغيب تنفس الحامل المثقل ، فأبرز في عالم الشهادة ما كان ثقل عليه ، ومن وجه آخر : ثقلت من كونها أمانة مكلفة بحفظها وأدائها في وقتها ، فهو ثقل معنوي ، فإنه في طبع كل شيء القلق مما يثقل عليه حتى يخرجه عنه (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لجهلهم.
(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١٨٩)
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) هذا يدل على أن النفوس خلقت من معدن واحد (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها) حنين الرجل حنين الكل إلى جزئه ، كاستيحاش المنازل لساكنيها ، ولأن المكان الذي في الرجل الذي استخرجت منه المرأة عمره الله بالميل إليها ، فحنينه إلى المرأة حنين الكبير ، وحنوه على الصغير ، فمن عرف قدر النساء وسرّهن لم يزهد في حبهن ، بل من كمال العارف حبهن ، فإنه ميراث نبوي وحب إلهي ، فإنه صلىاللهعليهوسلم قال : [حبب إلي] فلم ينسب حبه فيهن إلا إلى الله تعالى (فَلَمَّا تَغَشَّاها) الغشيان نكاح وهو ستر ، فهو سر ، أي غطاها بذاته وسترته بنفسها ، فكان لها لباسا وكانت له لباسا.
(فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ