شكر نعمه ـ الوجه الثاني ـ يمكن أن يكون قوله : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) من التوسل فإنه لم يقل منه أي ابتغوا منه الوسيلة ، والتوسل هو طلب ـ القرب من الله ـ
إذا الصادق الداعي أتاك مبيّنا |
|
فألق إليه السمع إن كنت مؤمنا |
وقلت رسول الله أنت وسيلتي |
|
إلى مسعدي سرا أقول ومعلنا |
ولست بإيماني به مترددا |
|
فإني علمت الأمر علما مبينا |
ـ الوجه الثالث ـ قال تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) والوسيلة : درجة في الجنة لا ينالها أو لا تنبغي إلا لرجل واحد ، قال صلىاللهعليهوسلم : وأرجو أن أكون أنا ، فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشفاعة. فلو سأل واحد منا ربه الوسيلة في حق نفسه لما سأل ما لا يستحقه ، فإنها لم تحجر ، ولم ينص على وحدانية الشخص ، هل هو واحد لعينه أو لصفة تطلبها ، ولكن يمنعنا من ذلك الإيثار وحسن الأدب مع الله في حق رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي اهتدينا بهديه ، وقد طلب منا أن نسأل الله له الوسيلة ، فتعين علينا أدبا وإيثارا ومروءة ومكارم خلق أن لو كانت لنا لوهبناها له ، إذ كان هو الأولى بالأفضل من كل شيء لعلو منصبه ، وما عرفناه من منزلته عند الله ، ونرجو بهذا أن يكون لنا في الجنة ما يماثل تلك الدرجة ، فقد ثبت في الشرع أن الإنسان إذا دعا لأخيه بظهر الغيب ، قال الملك له ولك بمثله ، ولك بمثليه. فإذا دعونا له صلىاللهعليهوسلم بالوسيلة وهو غائب ، قال الملك : ولك بمثله فهي له والمثل للداعي فينال من درجات مجموعة ما يناله صاحب الوسيلة من الوسيلة ، لأن الوسيلة لا مثل لها ، أي ما ثم درجة واحدة تجمع ما جمعت الوسيلة ، وإن كان ما جمعت متفرقا في درجات متعددة ولكن للوسيلة خاصية الجمع (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) اعلم أن الفضيلة ، عند من ابتغى إلى الله الوسيلة ، في التعمل وإن لم يعمل تحصيل ما لديه ، مع كونه ما وصل إليه ، ما تحصل نتيجة العمل لمن لم يعمل ، إلا لمن اجتهد ولم يكسل ، وأما مع الكسل فما وصل ولا توصل ، ابذل المجهود ، وما عليك أن لا تتصف بالوجود. واعلم أيدك الله أن الإسلام والإيمان والتقوى وابتغاء الوسيلة كلها من آثار اسم الله من حيث أنه هاد ، والكفر والطغيان والعصيان والانهماك في استيفاء اللذات والشهوات وارتكاب المحرمات والشبهات ، والنسيان والغفلة عن ذكر الله وعن التفكر في آلائه ونعمائه ، كلها من آثار اسم الله تعالى ، لكن من حيث صفة إضلاله واسمه المضل ، وأئمة الكفر وشياطين الإنس والجن والكفار والعصاة والطغاة