مظلمتي من هذا ، فيقول له : ارفع رأسك ، فيرى خيرا كثيرا ، فيقول المظلوم : لمن هذا يا رب؟ فيقول : لمن أعطاني الثمن ، فيقول : يا رب ومن يقدر على ثمن هذا؟ فيقول له : أنت بعفوك عن أخيك هذا ، فيقول المظلوم : يا رب قد عفوت عنه ، فيقول الله له : خذ بيد أخيك فادخلا الجنة ، فيأخذ بيده فيدخلان الجنة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند إيراده هذا الخبر (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) فإن الله يصلح بين عباده يوم القيامة ، فالكريم إذا كان من شأنه أن يصلح بين عباده بمثل هذا الصلح حتى يسقط المظلوم حقه ويعفو عن أخيه ، فالله أولى بهذه الصفة من العبد في ترك المؤاخذة بحقوقه من عباده ، فيعاقب من شاء بظلم الغير لا بحقه المختص به ، ولهذا الأخذ بالشرك من ظلم الغير ، فإن الله ما ينتصر لنفسه ، وإنما ينتصر لغيره ، والذي شاء سبحانه ينتصر له.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣)
(يُنْفِقُونَ) مما استخلفهم فيه أداء أمانة لمن شاء من عبيده.
(أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٤)
اعلم أن الإيمان نور شعشعاني ، ظهر عن صفة مطلقة لا تقبل التقييد ، فإذا خالط هذا النور بشاشة القلوب صدق المخبر بكل أمر لم يعلمه إلا من الذي أخبره به عند إخباره ، ولم يتوقف في تصديقه عند سماعه الخبر منه ، ولا يتردد فيما صدقه فيه إن قدح فيه نظره عند التفكر فيما كان أخبره به المخبر ، والمؤمنون في الإيمان على قسمين : مؤمن عن نظر واستدلال وبرهان ، فهذا لا يوثق بإيمانه ، ولا يخالط نوره بشاشة القلوب ، فإن صاحبه لا ينظر إلا من خلف حجاب دليله ، وما من دليل لأصحاب النظر إلا وهو معرض للدخل فيه والقدح ولو بعد حين ، فلا يمكن لصاحب البرهان أن يخالط الإيمان بشاشة قلبه وهذا