الحجاب بينه وبينه ، والمؤمن الآخر الذي كان برهانه عين حصول الإيمان في قلبه ، لا لأمر آخر ، وهذا هو الإيمان الذي يخالط بشاشة القلوب ، فلا يتصور في صاحبه شك ، لأن الشك لا يجد محلا يعمره ، فإن محله الدليل ولا دليل ، فما ثمّ على ما يرد الدخل ولا الشك ، بل هو في مزيد ، ثم إن المؤمن على نوعين : مؤمن له عين فيه نور ، بذلك العين إذا اجتمع بنور الإيمان أدرك المغيبات التي متعلقها الإيمان ، ومؤمن ما لعينه نور سوى نور الإيمان ، فنظر إليه به ونظر إلى غيره به ، فالأول يمكن أن يقوم بعينه أمر يزيل عنه النور الذي إذا اجتمع بنور الإيمان أدرك الأمور التي ألزمه الإيمان القول بها ، وهو المؤمن الذي لا دليل له وينظر الأشياء بذاته فيدخله الشك ممن يشككه ، فإن فطرته تعطي النظر في الأدلة ، إلا أنه لم ينظر ، فإذا نبّه تنبه ، فمثل هذا إن لم يسرع إليه الذوق وإلا خيف عليه ، والمؤمن الآخر هو بمنزلة الجسد الذي قد تسوت بنيته ، واستوت آلات قواه وتركبت طبقات عينه ، غير أنه ما نفخ فيه الروح ، فلا نور لعينه ، فإذا كان الإنسان بهذه المثابة من الطمس ، فنفخ فيه روح الإيمان فأبصرت عينه بنور الإيمان ، فلا يتمكن له إدخال الشكوك عليه جملة ورأسا ، فإنه ما لعينه سوى نور الإيمان ، والضد لا يقبل الضد ، فما له نور في عينه يقبل به الشك والقدح فيما يراه ، ومتى لم يكن الإيمان بهذه المثابة وإلا فقليل أن يجيء منه ما جاء من الأنبياء والأولياء من الصدق بالإلهيات ، فالفطر الذكية التي تقبل النظر في المعقولات من أكبر الموانع لحصول ما ينبغي أن يحصل من العلم الإلهي ، والفطر المطموسة هي القابلة التي لا نور لعينها من ذاتها إلا من نور الإيمان ، فلا تعطي فطرته النظر في الأمور على اختلافها ، ومنزلة الأنبياء فيما يأخذونه من الغيب بطريق الإيمان من الملائكة منزلة المؤمنين مع ما يأخذونه من الأنبياء ، فالأنبياء مؤمنون بما يلقي إليهم الروح ، والروح مؤمن بمن يلقي إليه من يلقي إليه ، قال بعض الصحابة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنا مؤمن حقا ، فادعى حق الإيمان ، وهو من نعوت الباطن ، فإنه تصديق ، والتصديق محله القلب ، وآثاره في الجوارح إذا كان تصديقا له أثر ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فما حقيقة إيمانك؟ فقال : كأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وقد كان صدّق رسول الله في قوله : إن عرش ربه يبرز يوم القيامة ، فجعله هذا السامع مشهود الوقوع في خياله ، فقال : كأني أنظر إليه ، أي هو عندي بمنزلة من أشاهده ببصري ، فالمؤمن ينبغي أن يعامل الموطن بما يعامله صاحب العيان وإلا فليس بمؤمن حقا فإن لكل حق حقيقة وليست