ومن مشاققة الله الاعتراض والتعليل لأفعال الله في عباده ، لأي شيء كان كذا؟ ولو كان كذا كان أحسن وأليق ، فهي منازعة للربوبية ، فالأشقياء ليس لهم عذاب إلا منهم.
(ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) (١٤)
المؤمن لا يولي الدبر ويتقدم ويثبت حتى يظفر أو يقتل ، ولهذا ما انهزم نبي قط لقوة إيمانه بالحق ، وقد توعد الله المؤمن إذا ولى دبره في القتال لغير قتال أو انحياز إلى فئة تعضده فقال تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) (١٥)
فخاطب أهل الإيمان ، وبقرائن الأحوال علمنا أنه تعالى أراد المؤمنين بالحق ، وما أرسلها الله مطلقة إلا ليقيم الحجة على الذين آمنوا بالباطل إذا هزمهم الكافرون بالطاغوت ، لما دخلهم من الخلل في إيمانهم بالباطل ، وما عدا حال المسايفة استعداد للجهاد والقتال ، ما هو عين الجهاد ولا عين القتال ، فإذا وقعت المسايفة ذلك هو عين الجهاد والقتال الذي أمر الله عباده بالثبات فيه والاستعانة بالصبر والصلاة ، ثم توعد من لم يثبت فقال :
(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٦)
من انحاز إلى فئة أو كان متحرفا لقتال ، فإنه من أبطال الرجال ، ومن أهل المكر المشروع والاحتيال ، والحرب خدعة ، وإن أساء في الحال السمعة ، فإن العاقبة تسفر عن مراده ، بما قصده من جهاده (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ) يعني إن قتل في تلك الحال (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) وقال تعالى في تلك الحالة : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) وهو حبس النفس عن الفرار في تلك الحال والصلاة) فأمر بالصلاة وأنها من الأمور المعينة له على خذلان العدو ، فجعلها من أفعال الجهاد ، فوجبت الصلاة ، والفرار في تلك الحال من الكبائر ، فأمره الله بالصبر وهو الثبات