في تلك الحال والصلاة ، فوجبت عليه كما وجب الصبر ، فيصليها على قدر الإمكان ، أي على قدر ما يمكنه أن يفعله منها ، فالله يقول : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوتر على الراحلة يومي إيماء مع الأمان ، فأحرى إيقاع الفرض مع الخوف ووجود البشرى أنها من أسباب النصر ، فيصلي على قدر استطاعته في ذلك الوقت وعلى تلك الحال بحيث أن لا يترك القتال ولا يتوانى فيه ، فذلك استطاعة الوقت ، فإن المكلّف بحكم وقته ، وسواء كان على طهارة أو على غير طهارة ، والمخالف لهذا ما حقق النظر في أمر الله ، ولا ما أراده الله برفع الحرج عن المكلف في دين الله في قوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فالمجتهد لا كلام معه ، فإنه يعمل بحسب ما يقتضيه دليله ويحرم عليه مخالفة دليله ، وأما المقلد فالأولى به عندنا تقليد من يقول بجواز الصلاة في حال المسايفة وعلى غير طهارة فيها ، فإن القرآن يعضده ، ولا حجة للمقلد في التخلف عن تقليد من يقول بالصلاة ، فإنه أبرأ لذمته وأولى في حقه ، ويكون ممن ذكر الله على كل أحيانه اقتداء برسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١٧)
جاء المدد الملكي فأقدم حيزوم (١) لنصرة دين الحي القيوم ، ولتقوية القلوب عند أهل الإيمان بالغيوب ، وما كان عند أهل الغيب إيمانا كان لأهل الشرك عيانا ، وذلك الشهود خذلهم فقال : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) قتلهم بالملك ، للأمر الذي أوحاه في السماء وأودعه حركة الفلك ، فما انحجب عن المؤمن لإهانته ، كما أنه ما كشفه المشرك لمكانته ، لكن ليثبت ارتياعه ، ويتحقق انصداعه واندفاعه ، فخذله الله بالكشف ، وهو من النصر الإلهي الصرف ، نصر به عباده المؤمنين على التعيين ، فإنه أوجب سبحانه على نفسه نصرتهم ، فرد عليهم لهم كرتهم ، فانهزموا أجمعين ، (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)
__________________
(١) حيزوم اسم الفرس الذي كان يركبه جبريل عليهالسلام.