والمؤمن الإله الحق ، وقد نصره الخلق ، وهو القائل (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فأظهر آمرا وأمرا ومأمورا في هذا الخطاب التكليفي ، فلما وقع الامتثال لله ، وظهر القتل بالفعل من أعيان المحدثات ، قال : ما هم أنتم الذين قتلتموهم ، بل أنا قاتلهم ، فأنتم لنا بمنزلة السيف لكم ، أو أي آلة كانت للقتل ، فالقتل وقع في المقتول بالآلة ولم يقل فيه إنه القاتل ، وقيل في الضارب به القاتل ، كذلك الضارب به بالنسبة إلينا مثل السيف له عنده ، فلا يقال في المكلّف إنه القاتل بل الله هو القاتل بالمكلّف وبالسيف ، فقام له المكلّف مقام اليد الضاربة بالسيف ، وفي حضرة الأفعال ينسب الفعل بالعوائد إلى المخلوق والحق مبطون فيه ، وينسب الفعل بخرق العادة إلى الله لا إلى المخلوق ، لأنه خارج عن قدرة المخلوق ، فيظهر الحق وإن كان لا يظهر إلا في الخلق ، ومن هنا يتبين أن ما قام فيه الإنسان عين ما قام فيه الحق ، بين ظاهر وباطن ، فإذا ظهر من ظهر بطن الآخر ، وذلك قوله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم في رميه التراب في أعين المشركين (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) فالرمي وقع منه صلىاللهعليهوسلم بقول الله ، وإيصال الرمي إلى أعين الكفار حتى ما بقيت عين لمشرك خاص إلا وقع من التراب في عينه فهذا ليس لمخلوق ، فقال تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) إثباتا للنفي في أول الآية ، فإن الله محا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حكم رميه مع وجود الرمي عنه ، فقال : (وَما رَمَيْتَ) فمحاه (إِذْ رَمَيْتَ) فأثبت السبب (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) وما رمى إلا بيد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ) نفي (إِذْ رَمَيْتَ) إثبات عين ما نفى (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) نفى عين ما أثبته ، فصار إثبات الرمي وسطا بين طرفي نفي ، فالنفي الأول عين النفي الآخر ، فمن المحال أن يثبت عين الوسط بين النفيين ، لأنه محصور ، فيحكم عليه الحصر ، ولا سيما أن النفي الآخر زاد على النفي الأول بإثبات الرمي له لا للوسط ، فثبت الرمي في الشهود الحسي لمحمد صلىاللهعليهوسلم بثبوت محمد صلىاللهعليهوسلم ، فمحمد صلىاللهعليهوسلم رام لا رام ، وهذا لا يدرك إلا بعين البصيرة ، فالبصيرة بها تدرك الأمر على ما هو عليه ، لأنه علم محقق ، وإذا أدرك به عين نسبة ما ظهر في الحس سمي بصرا ، فاختلفت الألقاب باختلاف المواطن ، كما اختلف حكم عين الأداة ، وإن كانت بصورة واحدة حيث كانت ، تختلف باختلاف المواطن ، مثل أداة ما ، لا شك أنها عين واحدة ، ففي موطن تكون نافية ، وفي موطن تكون تعجبا ، وفي موطن تكون مهيئة ، وفي موطن تكون اسما ، وقد تكون مصدرية ، وتأتي للاستفهام ، وتأتي زائدة ، وغير ذلك من