مواطنها ، فهذه عين واحدة حكمت عليها المواطن بأحكام مختلفة ، كذلك صور التجلي بمنزلة الأحكام لمن يعقل ما يرى ، فأبان الله لنا فيما ذكره في هذه الآية الذي كنا نظنه حقيقة محسوسة ، انما هي متخيلة ، يراها رأي العين ، والأمر في نفسه على خلاف ما تشهده العين ، وهذا سار في جميع القوى الجسمانية والروحانية ، ولو لا الاسم الباطن ما عرفنا أن الرامي هو الله في صورة محمدية ، فإنه ما رمى إلا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وما وقع الحس إلا على رميه ، وما رمى إلا الله ، فأين محمد صلىاللهعليهوسلم وسلم؟ محاه وأثبته ، ثم محاه ، فهو مثبت بين محوين ، كما ورد في الخبر [كنت سمعه وبصره] فأين الإنسانية هنا؟ فإنه نفى عين ما أثبته لك وأثبته لنفسه ، فقال : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) وما رمى إلا العبد ، فأعطاه اسمه وسماه به ، وبقي الكلام في أنه هل حلّاه به كما سماه به أم لا؟ فإنا لا نشك أن العبد رمى ، ولا نشك أن الله تعالى قال : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) وقد نفى الرمي عنه أولا ، فنفى عنه اسم العبودة وسماه باسمه ، إذ لا بد من مسمى ، وليس إلا وجود عين العبد ، لا من حيث هو عبد ، لكن من حيث هو عين ، فإن العبد لا يقبل اسم السيادة ، والعين كما تقبل العبودة تقبل السيادة ، فانتقل عنها الاسم الذي خلقت له وخلع عليها الاسم الذي يكون عنه التكوين ، وهو قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) والحق لا يباهت خلقه ، فما يقول إلا ما هو الأمر عليه في نفسه ، فقوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) أثبت لك ما رأيت ، ودل قوله : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) على أمر يستوي فيه البصير والأعمى ، فيد الله يد الأكوان ، وإن اختلفت الأعيان ، وهذا عهد من الله تعالى إلينا أن الفعل الذي يشهد به الحس أنه للعبد هو لله تعالى لا للعبد ، فإن أضفته لنفسي فإنما أضيفه بإضافة الله لا بإضافتي ، فأنا أحكي وأترجم عن الله به وهو قوله : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) فرد الفعل الذي أضافه إلى نفسه وهو حقه الذي له قبلي بهذه الإضافة ، ولكن لا بد من ميزان إلهي نرده به إليه ، وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : اعبد الله كأنك تراه ، فإن الوزن نعت إلهي لا ينبغي لعبد من عباد الله أن يغفل عنه في كل فعل ظاهر في الكون من موجود ما من الموجودات ، فلا يزال مراقبا له في غيره ، فيحكم عليه بالميزان الموضوع عنده ، وليس إلا الشرع ، وهذه الآية تشير إلى نفي الركون إلى الأسباب لا الأسباب ، فإن الله لا يعطل حكم الحكمة في الأشياء ، والأسباب حجب إلهية موضوعة لا ترفع ، فمن الحكمة إبقاء الأسباب ، مع محو العبد من الركون إليها على حكم نفي أثرها في المسببات ، فالأسباب ستور