فالعالم كله عند العارف رسول من الله إليه ، وهو ورسالته ـ أعني العالم ـ في حق هذا العارف رحمة ، لأن الرسل ما بعثوا إلا رحمة ، ولو بعثوا بالبلاء لكان في طيه رحمة إلهية ، لأن الرحمة الإلهية وسعت كل شيء ، فما ثم شيء لا يكون في هذه الرحمة.
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢٥)
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) بل تعم المحق والظالم ، وتختلف أحوالهم في القيامة ، فيحشر المحق سعيدا والظالم شقيا ، كالجيش الذي يخسف به بين مكة والمدينة ، وفيه من غصب على نفسه في المجيء ، فقالت عائشة في ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال يحشرون على نياتهم وإن عمهم الخسف.
انظر إلى الأرض وخيراتها |
|
وما بها الرحمن قد أظهرا |
لا بد أن يصبح عمرانها |
|
كمثل ما أصبح وادي القرى |
عروشها خاوية حين لم |
|
يغير الناس بها المنكرا |
عم بلاء الله سكانها |
|
فأهلك المقبل والمدبرا |
بذا أتانا النص من عنده |
|
في محكم الذكر كذا سطرا |
فقال فيه واتقوا فتنة |
|
وتمم القول به منظرا |
سبحان من أخبرنا أنه |
|
كان على الأخذ بنا أقدرا |
هذا الذي جئت به واضح |
|
في سورة الأنفال قد حررا |
وهذه الفتنة العامة والعقوبة الشاملة والحدود المتداخلة من صفة قوله : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) فإن ظاهرها لا يقتضي العدل ، وباطنها يقتضي الفضل الإلهي ، ففي الآخرة لا تزر وازرة وزر أخرى ، وهنا ليس كذلك في عموم صورة العقوبة (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) وأي عقوبة أشد من عقوبة تعم المستحق وغير المستحق ، والظالم وغير الظالم ، والبريء والفاعل ، وهذا من شأن الحدود الدنيوية ، لأنها دار امتزاج ، وحدود الآخرة ليست