كذلك ، فإنها دار تمييز ، فلا تصيب العقوبة إلا أهلها ، وأما في الدنيا فما هي في البريء عقوبة ، وإنما هي فتنة ، وفي الظالم عقوبة لأنها جاءت عقيب ظلمه ، فكن في كل حال ذاتية حميدة مع الله يرضاها الله منك ، وعلى عمل صالح ، ولا سيما إذا كثر الفساد في العامة ، فما تدري لعل الله يرسل عليهم عذابا فيعم الصالح والطالح ، فتكون ممن يحشر على عمل خير كما قبضت عليه ، فإن الأنبياء مع طاعتهم لله والحضور معه لا يأمنون أن يصيب الله عامة عباده بشيء فيعم الصالح والطالح ، ولذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم كثيرا ما يقول في دعائه : أعوذ بالله من أن أغتال من تحتي.
(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٧)
ما أيّه الله في هذه الخيانات إلا بالمؤمنين ، فإن كنت مؤمنا فأنت المخاطب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ) وأما خيانة الله ، فاعلم أن الله قد أعطاك أمانة لتردها إليه ، كما أعطاك أمانة لتوصلها إلى غيرك لا تردها إليه ، كالرسالة ، فإن الله يقول : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) وقال : (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) وأما ما يرد إليه عزوجل من الأمانات ، فهو كل علم آمنك عليه من العلوم التي إذا ظهرت بها في العموم ضلّ به من لا يسمعه منك بسمع الحق ، فإذا حصل لك مثل هذا العلم ورأيت من كان الحق سمعه وبصره وجميع قواه ، وليس له هذا العلم ، فأده إليه ، فإنه ما يسمعه منك إلا بسمع الحق ، فالحق على الحقيقة هو الذي سمع ، فرددت الأمانة إليه تعالى ، وهو الذي أعطاكها ، وحصلت لهذا الشخص الذي الحق سمعه فائدة لم يكن يعلمها ، ولكن حامل هذه الأمانة إن لم يكن عالما بأن هذا ممن يكون صفته أن يكون الحق سمعه ، وإلا فهو ممن خان الله ، وقد نهاه الله أن يخون الله ، وكذلك من خيانة الله التعدي في حد من حدود الله ، مع العلم بأنه متعد فيه ، فقد خان الله في تصرفه باعتقاده التعدي (وَمَنْ يَتَعَدَّ