أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) أي اختبرناكم بهما ، هل تحجبكم عنا وعما حددنا لكم أن تقفوا عنده؟ فهما اختبار لإقامة الحجة في صدق الدعوى أو كذبها ، يتمنى الشخص أن لو كان له مال لعمل به برا ، فيكتب الله له أجر من عمل ، فإن نيته خير من عمله ، ويكتب له على أوفى حظ ، وهو في ذمة الغير ليس بيده منه شيء ، فإذا حصل له ما تمناه من المال أو مما تمناه مما يتمكن له به الوصول إلى عمل ذلك البر ، وجب عليه أن يعمل ذلك البر الذي نواه ، فإن لم يفعل لم يكتب له أجر ما نواه ، وهنا الفتنة والاختبار ، ويتخيل من لا علم له بأن إضافة الأموال في قوله تعالى : (أَمْوالُكُمْ) إضافة ملك ، وما علم أن تلك الإضافة إضافة استحقاق ، كسرج الدابة وباب الدار ، لا إضافة ملك ، فإن الله تعالى قال : (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) فما هو لنا ، وجعل الله المال والولد فتنة يختبر بهما عباده لأن لهما بالقلب لصوقا ، وهما محبوبان طبعا ، ويتوصل بهما ولا سيما بالمال إلى ما لا يتوصل بغير المال من أمور الخير والشر ، فإن غلب على العبد الطبع لم يقف في التصرف بماله عند حد ، بل ينال به جميع أغراضه ، وما سمي المال مالا إلا لكون القلب مال إليه ، لما فيه من بلوغ العبد إذا كان صالحا إلى جميع الخيرات التي يجدها عند ربه في المنقلب ، وإذا لم يكن تام الصلاح فلما فيه من بلوغ أغراضه به ، وأما الولد فلما كان لأبويه عليه ولادة أحباه ، ومالا إليه ميل الفاعل إلى ما انفعل عنه ، وميل الصانع إلى مصنوعه ، فميله لحب الولد ميل ذاتي ، فإن كرهه فبأمر عارض لأخلاق ذميمة وصفات شريرة تقوم بالولد ، فبغضه عرضي وقدم المال على الولد في الذكر لأن المال محبوب للإنسان حب الولد (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) إذا رزأكم في شيء منهما.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢٩)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ما أيّه الحق إلا بالمؤمن والناس والمؤتين ، ما أيّه بأصحاب العين (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ) وهو العمل على تقليد ما جاء به الإيمان فينتج ذلك العمل العلم بالله ، فيفرق بين الحق والباطل عن بصيرة صحيحة لا تقليد فيها ، فالمتقي يتولى الله تعليمه ، فلا يدخل