يعصمهم من القتل ، فضربت عليهم الجزية ، وهذا من رحمة الله ، إبقاء عليهم وتركوا على دينهم ليقيموه أو يقيموا بعضه على قدر ما يوفقون إليه. وهنا نكتة لمن فهم أن دينهم مشروع لهم بشرعنا حيث قررهم عليه ، ولهذا كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا سمع أن الروم قد ظهرت على فارس يظهر السرور في وجهه ، مع كون الروم كافرين به صلىاللهعليهوسلم ، ولكن الرسول لعلمه صلىاللهعليهوسلم كان منصفا ، لأنه علم أن مستند الروم لمن استند إليه أهل الحق ، لأنهم أهل كتاب ، مؤمنون به لكنهم طرأت عليهم شبهة ، من تحريف أئمتهم ، ما أنزل عليهم ، حالت بينهم وبين الإيمان والإقرار بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم أو بعمومها ، فعذرهم الشرع لهذا القدر الذي علمه منهم ، وراعى فيه جناب الحق تعالى حيث وحدوده ، وما أشركوا به حين أشرك به فارس وعبدة الأوثان ، وقدحت في توحيد الإله وما يستحقه من الأحدية. واعلم أن كل مشرك كافر ، فإن المشرك باتباع هواه فيمن أشرك واتخذه إلها ، وعدوله عن أحدية الإله ، يستر نفسه عن النظر في الأدلة ، والآيات المؤدية إلى التوحيد ، فسمي كافرا لذلك الستر ظاهرا وباطنا ، وسمي مشركا لكونه نسب الألوهية إلى غير الله مع الله ، فجعل لها نسبتين ، فأشرك فهذا الفرق بين المشرك والكافر ، وأما الكافر الذي ليس بمشرك فهو موحد غير أنه كافر بالرسول ، وببعض كتابه ، وكفره على وجهين : الوجه الواحد أن يكون كفره بما جاء من عند الله ، مثل كفر المشرك في توحيد الله ، والوجه الآخر : أن يكون عالما برسول الله ، وبما جاء من عند الله أنه من عند الله ، ويستر ذلك عن العامة والمقلدة من أتباعه ، رغبة في الرياسة ، وهو الذي أراد عليهالسلام بقوله في كتابه إلى قيصر : «فإن توليت فعليك إثم اليريسيين» يعني الأتباع. (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) فيتعذبون عذابين عذابا بإخراج المال من أيديهم ، وعذاب الصغار والقهر الذي هو عذاب نفوسهم مما يجدون في ذلك من الحرج ، ومما جاء في الشروط التي اشترطها أمير المؤمنين ، وإمام المتقين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه على أهل الذمة ، أن لا يحدثوا في مدينتهم ، ولا ما حولها كنيسة ، ولا ديرا ولا قة ولا صومعة راهب ، ولا يجددوا ما خرب منها ، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزل بها أحد من المسلمين ثلاث ليال ، يطعموهم ، ولا يؤوا جاسوسا ، ولا يكتموا غشا للمسلمين ، ولا يعلموا أولادهم القرآن ، ولا يظهروا شركا ، ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوه ، وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ،