إن من حمل العبادة هنا على الأعمال ، لا معرفة له باللسان ، فالعمل صورة ، والعبادة روح تلك الصورة العملية التي أنشأها المكلف ، فحظ المؤمن المخاطب بهذه الآية توحيد الأمر بالعبادة من حيث أحدية العين مع كثرة الأسماء الإلهية ، فإن حقيقة الطالب للرزق إنما تعبد الرزاق ، وحقيقة الطالب للعافية إنما تعبد الشافي ، فقيل لهم : لا تعبدوا إلا إلها واحدا ، وهو أن كل اسم إلهي وإن كان يدل على معنى يخالف الآخر فهو أيضا يدل على عين واحدة تطلبها هذه النسب المختلفة ، وأما غير المؤمنين وهم المشركون فهم الذين نسبوا الألوهة إلى غير من يستحقها ، ووضعوا اسمها على غير مسماها ، وادعوا الكثرة فيها ، ولذلك تعجبوا من توحيدها فقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً؟ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) فأمرهم الله أن لا يعبدوا إلا إلها واحدا لا إله إلا هو» في نفس الأمر (سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي هو بعيد أن يشرك في ألوهته ، وهذا هو التوحيد العاشر في القرآن وهو توحيد الأمر بالعبادة وهو من أعجب الأمر كيف يكون الأمر فيما هو ذاتي للمأمور؟ فإن العبادة ذاتية للمخلوقين ، فكانت في حق المؤمنين والمشركين ما أوضحناه.
(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٤)
اعلم أن ذلك كان قبل فرض الزكاة التي فرض الله على عباده في أموالهم ، فلما فرض الله الزكاة على عباده المؤمنين ، طهر الله بها أموالهم ، وزال بأدائها اسم البخل من مؤديها ، فإنه قد أدى ما أوجب الله عليه في ماله ، ثم فسر العذاب الأليم بما هو الحال عليه فقال تعالى :